الأردن في مواجهة تحولات كبرى

الأردن في مواجهة تحولات كبرى

03 يناير 2018
+ الخط -
يواجه الأردن اليوم تحولات النظام الدولي والإقليمي والعربي منفرداً، وسط غابة متشابكة من المحاور والتحالفات، إضافة إلى أزمات داخلية حادّة اقتصادية وسياسية.
الأردن اليوم غارق بمديونية تتجاوز 27 مليار دولار، وارتفاع البطالة إلى نسبة قياسية، إذ وصلت في الربع الأخير لعام 2017 إلى نحو 18%، إضافة إلى موازنة تعاني من عجز يصل إلى نحو مليار دولار، بعد إجراءات تقشفية وضريبية قاسية، مع تراجع معدلات الاستثمار وإغلاق عشرات المصالح والمؤسسات أبوابها، بفعل حالة الركود التي تصيب البلاد التي تعاني من حصار مطبق، بفعل إغلاق الحدود الأردنية السورية التي كانت توفر مَعَبراً استراتيجياً للسلع الأردنية، إضافة إلى ضعف تدفق البضائع الأردنية عبر معبر طريبيل العراقي، وانسداد السوق القطري أمام السلع الأردنية، بعد إغلاق السعودية المعبر البري إليه.
إضافة إلى المصاعب الداخلية الكبرى على المستوى الاقتصادي، يواجه الأردن خلخلة عميقة في تحالفات البلاد التاريخية مع العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ما يعود إلى محاولة الأردن عدم الانجرار خلف الرؤية السعودية فيما يتعلق بأولوية الصراع مع إيران على حساب أولوية التسوية الفلسطينة الإسرائيلية. وعلى الرغم من التزام الأردن العميق بالتحالف مع الولايات المتحدة، إلا أن قرارها الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتصويت الأردن على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة برفضه، على الرغم من تلويح واشنطن بحجب المساعدات عن الدول التي تصوّت مع القرار، والأردن أكبر متلق للمساعدات الأميركية بواقع مليار و250 مليون دولار سنويا.
على وقع هذه التحولات الكبرى، والتي تطاول بنية النظام الدولي، لا بدّ من الإشارة إلى أن
 الأردن دولة هو نتاج محطات تاريخية فاصلة، كان عنوانها التحولات الدولية أساسا، ونتائجها على أقاليم العالم، من بينها إقليم الشرق الأوسط. وعلى مسافة قرن، كان الأردن الحديث في إطار التشكل، حيث ترك انهيار الدولة العثمانية، ومن ثمّ هزيمة الدولة الفيصلية في سورية، وتقاسم المنتصرين في الحرب العالمية الأولى إقليم الشرق الأوسط، كان الأردنيون على موعد مع تأسيس إمارة شرق الأردن، والتي تم تعيين الأمير عبد الله عليها، بالتفاهم مع بريطانيا العظمى، منهيا حقبة الحكومات المحلية، لتأتي الاتفاقية الأردنية البريطانية في فبراير/ شباط 1928، وحسم الصراع الخارجي مع الحركة الوهابية "الأخوين"، وحالة التمرد الداخلي "ثورة العدوان"، أولى مراحل تأسيس ما كانت تطالب به الحركة الوطنية الأردنية تحت عنوان "رابطة العش الصغير".
على وقع صعود الولايات المتحدة قطبا دوليا مع هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية، انتقلت البلاد إلى النظام الملكي، ونودي بالأمير عبد الله ملكاً على البلاد في 1946، وإعلان استقلال سورية، وجلاء القوات الفرنسية عن سورية ولبنان، والتي أنهت الحلم الهاشمي باستعادة الحكم الهاشمي، لتأتي بعدها نتائج حرب 1948، والتي تمكّن من خلالها الفيلق العربي (الجيش العربي الأردني) من الحفاظ على ثلث فلسطين التاريخية (الضفة الغربية والقدس)، ليدخل الأردن بعدها في إطار ما سمي عربياً ضمّ الضفة الغربية، ثم اغتيال الملك عبدالله في القدس في 20 يوليو/ تموز 1951، لينهي عمليات حقبة التطلع الهاشمي إلى استعادة سورية الكبرى، والعمل على إنجاز التحول الديمقراطي، عبر دستور الملك طلال 1952.
دخلت العلاقة الأردنية البريطانية في حالة من الشد والجذب، حيث تمكنت أول حكومة برلمانية أردنية من إلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في 13 مارس/ آذار 1957، بعد عام من قرار الملك الراحل الحسين تعريب قيادة الجيش العربي الأردني، على وقع مشروع إيزنهاور "ملء الفراغ" الناتج عن انسحاب بريطانيا العظمى من أقاليم العالم.
بعد امتناع مصر والسعودية وسورية عن إسالة حصتها من الدعم المقدم للأردن إثر اتفاقية 
التضامن العربي التي تعهدت فيها الشقيقات بدعم الأردن بمعونةٍ ماليةٍ تغنيه عن الدعم المالي البريطاني، تمت إقالة حكومة سليمان النابلسي في 1957، لتنخرط البلاد في تحالف مع الولايات المتحدة، في حربها الباردة في مواجهة الاتحاد السوفييتي.
عمليا دخلت البلاد، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، مرحلة تاريخية ثالثة، عنوانها التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة عبر بوابة اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية (1994). ومع مجيء الملك عبد الله الثاني، تعمّق التحالف الأردني الأميركي، خصوصا في ملفات مكافحة الإرهاب، غير أن هذا التحالف بدأ بالتراجع مع موجة الربيع العربي، ما دفع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، إلى الحديث عن ضرورة أن ينتخب الأردن رئيس وزرائه، في إشارة إلى ضرورة أن ينجز الأردن مسار التحول الديمقراطي المتعثر منذ هبة إبريل/ نيسان 1989.
يواجه الأردن اليوم تحولاتٍ عميقةً، تعود أساساً إلى تبدلات النظام الدولي على طريق تجاوز نظام القطب الواحد الذي قادته الولايات المتحدة في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بيد أن الملامح الأولى للنظام الدولي الجديد لا تمنح الأردن فرصة عقد تحالف مع طرف دولي منفرد، نتيجة تعدّد أوجه المصالح والتنسيق الذي بات مشتركا بين القوى الكبرى. وفي وسط كل هذا المراس الأردني، ثمّة مهدد لتحالفاته هو إسرائيل.
إذن، سيكون مستقبل الحلول النهائية للقضية الفلسطينية، ومستقبل سورية ما بعد الأزمة، والسعودية في ما بعد انتقال الحكم من البنية الأفقية إلى بنية عمودية، ومستقبل العراق الذي يتجاوز فترة النظامين، القومي العربي والطائفي، إلى نظام يراعي مكوناته أكثر من عروبته. لذا ستكون لهذه التغييرات الكبرى أثرها في صياغة شكل الدولة الأردنية ومستقبلها، والتي كانت إمارة بوجهها الشرقي العربي، عنوان تأسيسها الأول، و"المملكة الهاشمية" عنوان انتقالها الثاني، فهل يكون الانتقال الثالث بدولة محصّنة ديمقراطيا، وسط تحالفات معقدة وتحديات كبيرة؟
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
78D57413-9DA6-427B-B957-612337B4E39B
منصور المعلا

كاتب ومحلل سياسي اردني، بكالوريوس في العلوم السياسية

منصور المعلا