حتى آخر العمر

حتى آخر العمر

17 يناير 2018

رنا صباغ مع نديم غرغور من صفحتها في "فيسبوك"

+ الخط -
أودى حادث مروري مروع بحياة رجل أعمال شهير مع ابنه. يبدو الحادث عادياً مثل كل الحوادث التي تقع كل يوم، ونشعر بالأسف تجاه مفاجأة الموت المباغت الذي يأتي من دون إنذار، فالأب وابنه كانا في سيارة يقودها الأب، ولا ندري أي حديثٍ حميم كان يدور بين الأب الستيني وولده، لكن أقدارا كهذه تطوي صفحتين بضربةٍ واحدة، أما غير العادي فهو ما أفصحت عنه الزوجة السابقة لرجل الأعمال الأردني ذي الأصول الفلسطينية، نديم غرغور، حيث سحبت الدموع من المآقي، وهي تتحدّث عن علاقة نادرة كانت تربطها بطليقها.
تحدثت رنا صباغ عن الصداقة التي جمعتها بطليقها، وعن الهدايا التي كان يرسلها لها في كل مناسبة إلى أن مات، وعن الاحترام المتبادل، واللقاءات القليلة بينهما بعد وقوع الطلاق، وكيف أن الزواج الذي لم يستمر لم يكن نهاية علاقةٍ مع إنسانٍ تكنّ له كل التقدير، وظل بالنسبة لها ثروةً لا يفرّط بها، لأنه من الأشخاص النادرين الذين يلتقيهم المرء في حياته. ولم تنشر رنا بالطبع، شأن كل النساء، عيوب الرجل، وما ذاقت على يده من ذل وظلم، جعل الطلاق منه غنيمة، والنجاة من أسره مكسباً. وهذا ليس من باب "اذكروا محاسن موتاكم"، ولكن لأنه كان إنساناً خلال زواجهما وبعده، ولأنها لا تعرف لماذا وقع الطلاق بين زوجين جمعهما حبٌّ  عاصفٌ قبل الزواج وخلاله؟
لا تدري لماذا وقع الطلاق، لكنها تعرف ما تختزن له من مساحةٍ في القلب. قد يتعجب القارئ وهو يقرأ سطور رنا صباغ، وهي تنعى نديم غرغور، قد يرفع حاجبيه دهشة من كل أسباب النجاح التي وصلت إلى الفشل، وقد تطلّ امرأة من المطبخ منكوشة الشعر، وفي يدها مطرقةٌ أو مخرطةٌ لتتوعد زوجها بملاحقاتٍ قانونيةٍ في حال فكّر بطلاقها، قد تطل برأسها هذا لتتساءل أي غباءٍ تمتلكه المدعوة رنا صباغ، لكي تطلب الطلاق من زوج ثري، مثل نديم غرغور؟
نترك هذه الزوجة المنكوشة الشعر، المشغولة بلا شيء، لنعود إلى رنا، وهي سيدة لها حضورها الاجتماعي والإعلامي، لكنها لم تتردّد عن الإفصاح عن مشاعر خاصة بها، تحدثت وكأنها تريد القول إن العلاقات الإنسانية أكبر من عقود الزواج، وإن الطلاق ليس النهاية دائماً، طالما بقيت مشاعر أكبر من سقفٍ وأربعة جدران سحبت منه أسباب الاستمرار.
لرنا صباغ أسلوبها الجميل، وهي تنعى زوجها السابق، وهي تتحدّث عن الأيام الجميلة التي بدأت بعلاقةٍ اجتماعيةٍ شملت فترة خطوبة استمرت ثلاث سنوات، ثم الزواج أربعة عشر عاماً، وطلاق هادئ عن قناعةٍ بأن الاستمرار قد يكون صعباً للطرفين، وأن الفراق في هذه المحطة سيجعلهما يحتفظان بصداقةٍ إلى الأبد، وها هو الزوج السابق يرحل، لتعلن رنا أنها سوف تشتاق إليه حتى آخر العمر...
وعلى هامشٍ صغيرٍ مزعج، وفي الوقت الذي أبكتنا رنا صباغ، هناك من خرج ليتهكّم على موت الأثرياء، وكأن في الموت شماتة، وكأن في الرحيل اختيار، وكأن منجل الموت حين يحصد الرؤوس يتعمد أن يأتي على رأسٍ متخمةٍ بالحسابات والأرصدة، وليس هناك أبشع ممن يتحدّثون عن ثريٍّ مات وترك ثروةً تعب وثابر في جمعها، فيقسمونها قبل أن يُوارى الثرى، ويتساءلون عن مصدرها، ويلفون ويدورون في أحاديث عبر مواقع التواصل الافتراضي، في حقدٍ طبقيٍّ لا يوصف، وكأن أمثال الثري ورجل الأعمال الراحل قد ولد وفي فمه ملعقة من ذهب. وأحسب لو أن هؤلاء لو تركوا هذه المواقع الافتراضية التي تغرقهم في الوهم، وعملوا واجتهدوا وكافحوا، لأصبحوا أكثر ثراء من نديم غرغور الذي كان قطباً اقتصادياً، يشغّل الآلاف في شركاته، ولديه مشاريعه الخيرية السرية والمعلنة، ولاستحق كل واحد منهم حب امرأة رائعةٍ، تخرج لتكتب عن سنوات سعادةٍ عاشتها. ولكن هؤلاء لا يستحقون أكثر من نساء منكوشات الشعر، لا يعرفن سوى كتابة العرائض أمام أبواب المحاكم الشرعية بعد وقوع الطلاق.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.