ليس دفاعاً عن ترامب

ليس دفاعاً عن ترامب

14 يناير 2018
+ الخط -
في أثناء مناقشة مسألة "إصلاح" سياسة الهجرة، واللجوء إلى أميركا، أمام ممثلين عن الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، ورداً على سؤال طرحه عضوا كونغرس، جمهوري وديمقراطي، بشأن سياسة استقبال المهاجرين من أفريقيا، أو من السلفادور وهاييتي، أجاب الرئيس دونالد ترامب، الذي يعبر بحوراً من الشك في أهليته العقلية، إثر صدور كتاب "نار وغضب": "لماذا يأتي إلى هنا كل هؤلاء البشر من بلاد الغائط؟". وأضاف أنه يُستحسن على بلاده أن تفتح أبوابها لمهاجرين من النرويج مثلاً التي كان رئيس وزرائها في زيارة رسمية لواشنطن عشية هذا التصريح، مضيفاً "أية حاجة لدينا لمزيد من أهالي هاييتي؟ فلنطردهم (...)". وقد أحدث هذا التصريح صدمة لدى أعضاء الكونغرس الحاضرين من الحزبين، ما دفع بعضهم لتسريبه إلى صحيفة واشنطن بوست التي نشرته.
لا يُعتبر هذا التصريح العنصري والفجّ مفاجأة لمن يتابع هذا الرئيس "المتميّز" للولايات المتحدة الأميركية منذ وصوله الى البيت الأبيض، وربما قبل هذا الوصول الغانم. وبالتالي، لا يمكن أن تحمل كل ردود الفعل التي تلت الإعلان عن هذا الكلام "النابي" عنصر المفاجأة، بقدر ما عليها أن تبعث على التفكير بآلية عمل ذهنية تواجه مثل هذه الترّهات، وتضع سياسة إعلاميةً، وخطابا ثقافيا، ملائمين. ولكن أول ردود الفعل جاء على لسان ناطق باسم البيت الأبيض، يدل اسمه على أنه متحدّر من أصول أجنبية، دافع بشراسة عن تصريحات رئيسه مُجبراً، لكنه استفاض بالإشارة الى أن من سرّب الشتائم "يهتم أكثر لمصالح بلاد وشعوب أخرى"، مبتعداً بنفسه عن مصلحة أمته "العظيمة" أميركا. ولم يجد الناطق المحترم ضرورة للإضافات المعتادة التي يُبرّر من خلالها صغار الموظفين صغائر كبارهم، كأن يقول إن التصريح "أُخرج من سياقه" أو أنه "فُهم بشكل خاطئ"، إلخ.
خرج مشاهير عديدون في الإعلام وفي الفن وفي السياسة بردود فعل هائلة التعابير، لإدانة ما 
صرّح به الرئيس ترامب. وانتشت مواقع التواصل والشبكة العنكبوتية بعشرات الرسوم الهزلية التي سخّفت، بإبداعٍ ولا أحلى، من هذا الشخص الذي يحتل شرعياً، وبأصوات ناخبين أميركيين، سدّة رئاسة أعظم قوة نووية في العالم، إن استثنينا الاقتصاد والسلاح. وتمت إدانة التصريح وصاحبه ووصمهما بالعنصرية. لكن هل ما صرّح به دونالد ترامب بوقاحته المتميّزة وبفجاجة تعابيره المُنتقاة محصورٌ به وحده؟
هل القول إن هذا البلد أو ذاك ليس مستعداً لاستقبال "كل مآسي العالم"، كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أخيرا، لتبرير الانغلاق في وجه موجات اللجوء التي ينجم غالبها عن أنظمة مستبدة فاسدة وفاشلة، تدعمها ديمقراطيات غربية عدة، يُعتبر أقل وقعاً مما سعى إليه ترامب؟ وهل قول الفنان الفرنسي التسعيني ذي الأصول الأرمينية، شارل أزنافور، قبل أيام، للصحافة الفرنسية، إنه يجب انتقاء من يناسبنا من المهاجرين واستبعاد الآخرين، هو كلامٌ أكثر إنسانيةً مما هرف به ترامب؟ وهل نظرية الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بشأن استقطاب المتميزين من المهاجرين ممن يمكن لهم إفادة الاقتصاد والعلم، واستبعاد ضعيفي التأهيل بإعادتهم إلى شقائهم هو أكثر وعياً مما أتى به ترامب؟
ولنكون أكثر إنصافاً، يجدر أن نسأل أنفسنا إن كان من النادر أن نستمع إلى العقلية نفسها، بتعابير أقل فجاجةً ممن هم مهاجرون، أو لاجئون، تمت تسوية أمورهم، فصاروا في "القصر منذ البارحة في العصر"، لينهالوا بالتحليلات العنصرية المموّهة أو المكشوفة بحق أترابهم؟ وكم منا من أطنب في امتداح السياسات اليمينية الأقرب إلى الفاشية في بعض الدول الأوروبية التي أوصلت الانتخابات فيها متطرّفين إلى الحكم، كما هنغاريا والنمسا؟ وصرنا متبحرين في الاقتصاد، وفي تعطيل الأسواق، وحلّلنا، بعجالة وتهوّر، امتناع المهاجرين عن العمل، 
واستفادتهم من المساعدات الاجتماعية، بلغةٍ لا يجرؤ عُتاة اليمين المتطرّف على البوح بها. وصرنا نفقه في القوانين الناظمة للمساعدات وللتأمين الصحي. كما بدأنا التمييز بين أهل المغرب وأهل المشرق، وأحقية أي منهم لولوج الحضارة الغربية.
يقول المثل الفرنسي: "من يصل أخيراً يُغلق الباب ويمسك به من الداخل، لمنع فتحه من الخارج من جديد"، ويبدو أن عربا عديدين، ومن في حكمهم، يمارسون هذه الرياضة العضلية التي تُبعد عنهم التطور الذهني والأخلاقي اللازم للعضلة الدماغية المساعدة في الإلمام بمسألة الهجرة واللجوء، بمختلف أبعادها، بعيداً عن الديماغوجية من أي جهة أتت.
من السهل التطرّق دائماً إلى عنصرية الغربيين، وأن نُعبّر عن صدمتنا بتصريحات المهزوز دونالد ترامب، لكننا نرفض أن نعترف بأن ما ينتشر وينمو في محيطنا الأقرب من تمييز عنصري، مذهبي، طائفي، مناطقي، طبقي وجندري، أوسع وأغنى بكثير من جُلّ ما يخرج عن أفواه الغربيين، ويُترجم في تصرفاتهم.
دونالد ترامب قال بفظاظة، وبعيداً عن انتقاء المفردات، ما يُفكّر به قادة غربيون كثيرون، ولكن أيضاً ما يفكر به ويقوله بفظاظة موازية كثيرون من أترابنا الذين يُفترض بهم أن يكونوا أول ضحايا هذا التمييز.