هؤلاء وحصار قطر

هؤلاء وحصار قطر

11 يناير 2018
+ الخط -
سقى الله على أيام معمر القذافي. كانت وفود التشكيلات المدنية، العربية الجامعة، والقُطرية المحلية، تتقاطر إلى ليبيا تحت جناحه، إبّان الحصار الجوي عليها، للتنديد به، ولعن "سنسفيل" أميركا، لأنها وراء فرض الحصار بدعاوى تورّط نظام القذافي في تفجير طائرةٍ مدنيةٍ أميركيةٍ فوق بلدة لوكيربي الاسكتلندية في 1988. كانت اتحادات المحامين والحقوقيين والكتّاب والأطباء والصحافيين (وغيرهم) العربية تتبارى في إصدار البيانات ضد ذلك الحصار (وهي محقّة)، وكان الأخ العقيد سخيّاً في ضيافاته وفود هذه الاتحادات. وبعيداً عن ابتذالٍ مسفٍّ كان مشهوداً في تلك الغضون، وبعيداً عن نفعيّة شخصياتٍ معلومةٍ، في حينه، فإن الوقوف مع الشعب الليبي ضد ذلك الحصار كان واجباً، فيما هي قصةٌ أخرى قضيةُ نظام القذافي بشأن تلك الطائرة. 

ليس مناسبة الإتيان هنا على ذلك الحصار على ليبيا (لم ننس الحصار على العراق) أن اتحاد المحامين العرب (مقرّه القاهرة) واتحاد الحقوقيين العرب (مقرّه عمّان) واتحاد الأطباء العرب (مقرّه القاهرة إلى حين تحرير القدس) واتحاد الصحافيين العرب (مقرّه القاهرة) مصابٌ كل منها بالخرس والصمم بشأن الحصار الجوي والبري على دولة قطر وشعبها، منذ 5 يونيو/ حزيران الماضي، وليست المناسبة أن الأمين العام لاتحاد الكتّاب والأدباء العرب سَلَقَ، في سبتمبر/ أيلول الماضي في العين الإماراتية، بياناً باسم هذا الاتحاد تضمن تجرؤاً منحطّاً على دولة قطر (يجتمع المكتب الدائم بعد غد السبت في دمشق!). لا، ليس هذه السفاهة ولا ذلك الخرس مناسبة المقدّمة القذافية أعلاه، وإنما السؤال عمّا إذا كان القائمون المنتخَبون على شؤون هذه الاتحادات، المعلومة ذيليّتهم لغير نظام عربي، استشعروا في جوانحهم حرجاً ما، إذا ما وصل إلى أسماعهم شيءٌ عن تقرير البعثة الفنية للمفوضيّة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (صدر الأسبوع الجاري) بشأن الحصار على قطر، وتضمّن توثيقاً لإجراءاتٍ تعسّفية وعقوباتٍ جماعيةٍ تعرّض لها القطريون، ومواطنون من دول الحصار، ويرى التقرير، وهو يصدر عن مرجعيةٍ رفيعةٍ في الأمم المتحدة، أن هذه الممارسات "أحادية الجانب، وتنتهك صراحة القانون الدولي ومبادئ العلاقات الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان".
وعندما يقول التقرير إن "إجراءات دول الحصار لم تفرّق بين حكومة دولة قطر والشعب القطري من مواطنين وأفراد"، فهذا يعني أن المقتضيات الأخلاقية المحضة من رئيس اتحاد المحامين العرب (مثلاً)، سامح عاشور، توجب عليه أن يصدع بكلمة حق، ولو لحفظ ماء وجهه، وهو الذي بلغ تزلّفه نظامي بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي (مثليْن) أرطالاً ثقيلة. ولأننا غسلنا أيدينا، قبل الحصار على قطر، منه، فإن من قلة العقل أن يُطلب من أمين عام اتحاد الكتّاب والأدباء العرب، الإماراتي حبيب الصايغ، قراءة تقرير بعثة مفوضيّة الأمم المتحدة. ولكن، ماذا عن أمين عام اتحاد الأطباء العرب، عبد المنعم أبو الفتوح، سيما وأن التقرير أورد أن مقيمين من دول الحصار في قطر صاروا محرومين من خدماتٍ صحيةٍ كانت تتوفر لهم. وكان مؤملاً من أبو الفتوح، وهو على سدّة هذا الاتحاد، أن يجهر بالموقف الأخلاقي، والعربي أساساً، ضد الحصار، لما يتسبّب به من آثار سالبةٍ على المواطنين القطريين والمقيمين بين ظهرانيهم. وفي البال أن لهذا الاتحاد، ولأبو الفتوح بصفته، مواقفَ محمودةً فيما يتعلق بفلسطين وسورية واليمن والعراق. ولمّا كان هناك اتحادٌ يضم الحقوقيين العرب، وله صفةٌ استشاريةٌ لدى الأمم المتحدة، فقد كان متوقعاً أن يفطن إلى ما ارتكبته الدول التي تحاصر قطر وتقاطع شعبها من تعدٍّ على حقوق شعب هذا البلد، في التنقل مثلاً، وعلى حقوق شعوب ثلاثٍ من هذه الدول، عندما تحظر عليهم السفر إلى قطر.
يستدعي تقرير بعثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى البال سؤالا عن جدوى هذه الاتحادات العربية الرثّة، والخرساء، والمُستخدَمة عند الحاجة. ويستدعي السؤالَ نفسَه استنكارُ المفوضية الأممية نفسها، في تقرير أعلن قبل أيام، الانتهاكات الجارية في الإمارات لحقوق الإنسان.. هل سمع به سامح عاشور وزملاؤه، أم أن الأداء القذّافي إيّاه حاضرٌ أيضا، وإنْ بتنويعٍ استجدّ عليه، ويفرض بلع الألسنة في هذا الأمر.. وغيره؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.