بيننا وبينكم عهد

بيننا وبينكم عهد

02 يناير 2018
+ الخط -
بيننا وبينكم عهد، أيها الأوغاد، فماذا لديكم؟ استعدوا، إذن، لحرب السنبلة التي مشطت الريح شعرها، فتحوّلت إلى قنبلة.
ما بيننا عهد، أيها الأغبياء، طفلتنا التي جاءتكم؛ لا لتثأر لطفولةٍ مزّقتها حرابُكم فحسب، بل ولتضم في قبضتها المشهرة في وجوه جنودكم، ثارات شعب ولاجئين ومخيمات، فمحال أن تدركوا معنى أن يحارب الطفل ثأراً لدموع أبويه، أو عن حقه باسترداد ساحات ملاعبه التي حولتموها إلى حواجز تفتيش وكمائن اعتقالات.
هذه عهد.. وهي "معاهدة" حربٍ بيننا، لا معاهدة سلام بمواصفات "أوسلو" التي أطحتم فيها ثورة كان الرهان عليها كبيرًا في سالف عهد قديم لم يتجدّد إلا مع عهد جديد، فقد جاءتكم عهد لتمزّق تلك الاتفاقية الفضيحة، ولتنتف شوارب الموقعين عليها واحدًا واحدًا، لأنها، باختصار، معاهدة خضوع وخنوع وإذلال، تحوّلت فيها الثورة إلى كتيبة حمايةٍ للاحتلال، وجدارًا عازلًا لا يقل بشاعةً عن جدار الهالك شارون، بين الشعب الفلسطيني وطموحه بالحرية والخلاص، وبين لاجئيه وحلمهم بالعودة.. اتفاقية قطعت أوصال الوطن، وأحالته إلى شريط من قطع "السجق" التي تفصلها، بعضها عن بعض، مستوطناتٌ ومناطق عازلة تحدّدها الصلافة الإسرائيلية كيف تشاء، والأهم أنها اتفاقيةٌ كان من نتائجها الحتمية استخفاف الولايات المتحدة ليس بالشعب الفلسطيني فحسب، بل بأمةٍ بأكملها، في إعلانها الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، لأن من يمتثل لإذلال "أوسلو" لا يحق له الاعتراض على تلاعب العالم كله بمصائره إن شاء، بدليل أن ردّة فعل "مناضلي أوسلو" على القرار الأميركي، لم تتعدّ متلازمة الشجب والاستنكار التي أبادونا بها منذ ظهور أول "لطّامة خدود" في التاريخ العربي.
وهذه عهد التي جاءت لتبدّد "معاهدات" عربية أخرى مع إسرائيل، ولتشهر قبضتها، أيضًا، في وجوه ساسةٍ أصبحت القضية الفلسطينية في عرفهم "قضية جانبية"، لا مبرّر لإغضاب العم ترامب من أجلها، ولتركل مؤخرات هؤلاء الساسة بقدمها الصغيرة، كما ركلت الجندي الإسرائيلي على باب بيتها، وطردته خارجًا، وكأنها تطردهم عن أبواب الوطن العربي. وتقول لهم اخرجوا من أرضٍ تلفظكم، ومن لغةٍ تغصّ بكم إن "لفظتكم"، لأنكم لم تكونوا يومًا من تراب هذه الأرض، ولا تمتّون إلى دماء شعوبها ولو بخليةٍ واحدة، بعد أن استمرأتم التمسّح بأعتاب البيت الأبيض، وأفردتم عواصمكم قواعد لجيوشه، وبحاركم لبوارجه، ودافعتم عن عروشكم بسيادة أوطانكم، وعن أرصدتكم بثرواتكم النفطية كلها، وجعلتم من شعوبكم قطعان عبيدٍ، لا تدين بولاء أو انتماء إلا لكم، لأنكم اختصرتم الوطن برمته في أشخاصكم العفنة.
هي عهد التي تحمل بشارة جيل فلسطيني جديد، يحمل أمانة الأرض في جسده الغضّ، ويلقي قفاز التحدّي بلا تردّد، جيل لم يعد يقيم وزنًا لكل صنوف الخوف التي تطبق عليه، جيل لم يربّه والداه هذه المرة، بل ربّاه الصهاينة أنفسهم من حيث لا يعلمون، حين أرادوا زرع بذور الرهبة والخضوع للأمر الواقع في نفوسه، كي يكفوا أنفسهم عناء تربيته كبيرًا على هذه الأخلاق، غير أن الرعب انقلب على المرعب، فكانت تلك البذور هي ذاتها التي تحولت، بقدرةٍ فلسطينيةٍ خارقة، إلى قفاز للتحدّي تشهره عهد وأقرانها في وجه المحتل، سلاحًا يجرّده من كل انقضاضاته ودفاعاته، إذ يدرك أنه لا بد خاسر حربه المصيرية على هذه الأرض التي تنبت أطفالاً كعهد، مدجّجين بالتمرّد والجرأة، ومتمرّدين على سائر شروط "الأمر الواقع"، الذي ارتضاه آباؤهم وساستهم العرب.
وهي عهد التي سنجعلها في حلوق كل المراهنين على سقوط خيار الكفاح المسلح من أجنداتهم المهترئة، لأنها تعيدنا، حقًا، إلى عهد أكثر إشراقًا.
EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.