السيسي.. كل هذا الانفصام

السيسي.. كل هذا الانفصام

02 يناير 2018
+ الخط -
يبدو أنها حالة مستعصية من انفصام الشخصية، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان قد قال للمصريين إنهم فقراء للغاية هو نفسه الذي دعا المستثمرين إلى افتتاح مشروعاتهم داخل البلاد، لأن لدى المصريين أموالا طائلة. ولا تتوقف هذه الحالة على هذا التصريح، فالمتابع للرجل وخطاباته يجد من ذلك الكثير، فهناك ظاهرة غريبة في ما يتعلق بشخصيته، هي تحذيره من مغبة القيام بأفعال معينة وتأثيرها على مصر، ثم قيامه بالأفعال نفسها التي سبق أن حذّر منها، وكأنه كان يحذر من نفسه، أو يتنبأ بما سيقوم به. فالسيسي هو من حذّر، عام 2013، من نزول الجيش إلى الشارع لأن البلاد في هذه الحالة ستعود أربعين عاما إلى الوراء، وذلك في أثناء عهد محمد مرسي في كلمته أمام حشد من الفنانين والإعلاميين والمثقفين الذين كانوا يطالبونه بالتدخل للانقلاب، ليقوم هو نفسه بذلك، ويعود بالبلاد مئات الأعوام إلى الوراء. والسيسي نفسه هو من حذّر من تهجير أهالي سيناء، لما سيسبّبه ذلك من فجوة بين أهالي سيناء والجيش، ما سيشكل عدوا جديدا، لأن الأهالي سيكون بينهم وبين الجيش "ثأر"، كما حذّر السيسي، في الخطاب نفسه، من تدخل الجيش والتعامل بعنف في سيناء، مؤكدا أن تلك مهمة الشرطة فقط، وأن التعامل العنيف مع ملف سيناء قد يؤدي إلى انفصالها، مستدعيا حالة انفصال جنوب السودان نتيجة ذلك التعامل. لكن السيسي نفذ ذلك السيناريو بالحرف، وقام بتهجير أهالي منطقة رفح، لإقامة منطقة عازلة، واستخدم الجيش بكثافة في سيناء، ما أدى إلى سقوط مئات المدنيين بنيران طائرات الجيش ومدافعه، حتى إن العمليات المسلحة وصلت إلى محافظة العريش للمرة الأولى، وبدأ الحديث عن تهجير أهالي العريش كذلك، وهو ما بدأت إرهاصاته بتهجير أقباط المدينة قسريا بعد استهدافهم من مسلحي "داعش".

وعندما أراد عبد الفتاح السيسي أن ينفي أن يكون الانقلاب "حكم عسكر"، قال "لا والله ما حكم عسكر"، وهي جملة تحولت مصدرا للسخرية مما يحدث في مصر، بعد أن اكتشف المصريون أنه حكم عسكر فعلا.
أما أشهر تناقض للسيسي فهو ترشّحه للرئاسة نفسه، فقد أقسم أنه ليس طامعا في أي شيء بعد الانقلاب مباشرة، ونفى نيته الترشّح للرئاسة، وأن شرف حماية إرادة الناس وحريتها في اختيار ما تشاء أعز وأشرف عنده من حكم مصر، وطلب من المصريين الانتظار، لأنهم سيرون ذلك بأنفسهم، فإذا بالمصريين يرونه يعلن ترشّحه للرئاسة، مرتديا زيه العسكري، بحجة أن الشعب طلب منه ذلك.
وفي لقائه مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، قبل أن يصبح رئيسا، أكد السيسي أنه لا بد أن يجعل الناس أغنياء أولا، حتى يرفع الدعم. ولكن بمجرّد أن تولى منصب الرئيس، صدم السيسي المصريين برفعه أسعار الوقود بنسبةٍ اقتربت من الضعف بعد شهرين من رئاسته، كما رفع أسعار الكهرباء بحوالي 30% في يوليو/ تموز 2015، وقام بتحرير سعر صرف الجنيه، لتشهد أسعار الوقود والكهرباء المفترض أنهما مدعومتان من الدولة عدة قفزات مهولة خلال ثلاثة أعوام فقط من حكمه. لنفاجأ بأن للسيسي نفسه رأيا مناقضا تماما لما سبق أن أعلنه من وجوب إغناء الناس قبل رفع الدعم، إذ روى الإعلامي مجدي الجلاد تفاصيل لقاء له مع السيسي عام 2014 قال فيه السيسي إن دعم الفقراء "أخطر على مصر من الفساد".
وفي اللقاء التلفزيوني نفسه، تفاخر السيسي بأن أبناءه يعملون في أجهزة الدولة السيادية: المخابرات العامة والرقابة الإدارية، قبل أن يقول بعد لحظات إنه لا يحب الوساطة والمحسوبية! لنراه بعد ذلك وهو يعين شقيقه رئيسا لمجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وابنة شقيقته في النيابة الإدارية، والجدير بالذكر أن رئيس أركان الجيش السابق كان صهره. وقبل أيام حضرت شقيقته مناسبةً، وهي مرتدية "فستانا من الحرير الأسود مرصّعا بحبات اللؤلؤ الأسود، يعلوه كاب من الدانتيل الفرنسي"، بحسب صحيفة مصرية مؤيدة للنظام، على الرغم من أن شقيقة السيسي هذه كانت تعمل إدارية في مدرسة حكومية، من دون أن نعرف من أين جاءت بتلك الأموال، ولا كيف يكره السيسي الوساطة، وعائلته على هذه الحال.
وبعد أن أصبح رئيسا، وعد السيسي المصريين بأنهم سيتعجبون من حال مصر بعد عامين، ليأتي ذكرى مرور عامين على حكمه ومصر في تدهور مستمر. وبعد تردّي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وعد المصريين بأن الأسعار لن ترتفع أكثر من مرة، لكنها استمرت في الارتفاع. ومع أنه قال قبل ذلك إنه مستعد أن يباع من أجل مصر، إلا أنه عاد وقال "أنا لا أباع ولا أشترى"، وكأنه يرد على سخرية المصريين ضده في المرة الأولى، بعد أن عرضه مصريون للبيع على موقع "Ebay". وفي لقاء مع قناة سكاي نيوز، قال السيسي إن المصريين إذا خرجوا ضده فسيستجيب لهم، ولن ينتظر تدخل الجيش، لكنه عاد وقمع المظاهرات ضده من كل التيارات، واعتقل آلافا منهم طوال العامين الماضيين.
ربما كان التفسير الوحيد لحالة عبد الفتاح السيسي في رواية "دكتور جيكل ومستر هايد"، عندما كان بطلها يعيش بشخصيتين مختلفتين، في الأولى طبيب مرموق، وفي الثانية مجرم يقتل الأبرياء، حتى يلقى حتفه في النهاية ليموت الاثنان. ويبدو أننا أمام شخصيتين: دكتور عبد الفتاح ومستر السيسي.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.