دي ميستورا ومنطق "الهزيمة"

دي ميستورا ومنطق "الهزيمة"

10 سبتمبر 2017

ما يقوله دي ميستورا بات منطقا عاماً (14/7/2017/فرانس برس)

+ الخط -
لم يكشف المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن موقف جديد حين دعا المعارضة السورية إلى الإقرار بالهزيمة في الحرب. هو موقف يتبناه المبعوث الذي كان يفترض أن يكون محايداً، منذ سيره بخريطة الطريق الروسية لحل الأزمة السورية. وهي خريطة التحق بها أطراف كثيرون كانوا محسوبين في السابق على معسكر الثورة، قبل أن ينقلبوا عليه وفق المنطق نفسه الذي يستخدمه دي ميستورا اليوم.
وعلى الرغم من محاولات الأمم المتحدة استدراك تصريحات المبعوث الأممي، والإشارة إلى أنها أخرجت من سياقها أو تم تحريفها، إلى أن العودة إلى نص التصريح لا تشير إلى أي إمكان للفهم الخاطئ، إذ قال مخاطباً المعارضة السورية: "أعرف أنكم تسمعون عبارات العملية السياسية كثيراً. لكن، هل ستكون الحكومة السورية مستعدة للمفاوضات بعد تحرير دير الزور والرقة أم أنها ستكتفي برفع راية النصر؟ هل ستكون المعارضة قادرةً على أن تتحد، وأن تكون واقعية لتدرك أنها لم تربح الحرب؟".
من الواضح أن التصريح لا مجال فيه للتحريف، فتعبيراته تحمل الكثير مما يفكر فيه دي ميستورا، والذي يؤكد أنه فقد صفة الوسيط المحايد منذ اللحظة التي سار فيها على هدي الخطة الروسية لحل الأزمة السورية، وموافقته ضمناً على مسارات أستانة التي كان من المفترض أن تكون عسكرية موازية لمسارات جنيف، إلا أنها دخلت على خط السياسة، وباتت تفرض أجندتها على جنيف ولقاءاتها.
المنطق الذي يتحدث به دي ميستورا يبدو أنه بات عاماً، في إطار استعجال إنهاء الوضع السوري، ووأد مساعي التغيير التي قامت من أجلها الثورة السورية. المنطق هذا استعمله قبل ذلك وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي طالب المعارضة السورية بموقفٍ شبيه بما طلبه دي ميستورا، لكن من دون أن يستعمل تعبير "هزيمة" أو "لم تربح". إذ دعا الوزير السعودي المعارضة السورية إلى وضع "رؤية جديدة" حول تسوية الأزمة في سورية ومستقبل رئيسها، بشار الأسد. وعلى الرغم من أن الجبير لم يستخدم تعابير دي ميستورا نفسها، إلا أن قراءة ما بين السطور تشير إلى موقف مشابه بات كثيرون يسيرون على هديه، خصوصاً أن الخلاف الأساسي اليوم هو على دور الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها، فأي "رؤية جديدة" تريدها السعودية ستكون خاصة بهذه النقطة تحديداً. ويمكن الاستدلال أيضاً على رغبات السعودية من المساعي التي لم تنته بعد، لدمج منصتي موسكو والقاهرة في الهيئة العليا للتفاوض، وأن تذهب المعارضة بوفد موحد إلى مفاوضات جنيف. المسعى، المدعوم روسياً وأميركياً، يصطدم إلى الآن بمسألة الأسد والمرحلة الانتقالية، وهو ما يضع الدعوة إلى "الرؤية الجديدة" في سياق منطقي متطابق مع ما يريده دي ميستورا الذي دعا المعارضة إلى "أن تتحد".
وإذا ما أضفنا الموقف الفرنسي إلى التصريحين، الأممي والسعودي، وخصوصاً الذي أعلنه وزير الخارجية، جان إيف لودريان، من روسيا أول من أمس حول أن رحيل الرئيس الأسد لا يجب أن يكون شرطاً لبدء عملية الانتقال السياسي، يمكن استنتاج أن منطق الهزيمة هو ما تسعى الأمم المتحدة، والدول الراعية سابقا للثورة السورية، إلى تعميمه على المعارضة، تمهيداً للإقرار بإعلان نصر النظام السوري، وتنصيبه باقياً فوق أجساد السوريين، أمواتاً وأحياء.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".