نيران وجدي غنيم الصديقة

نيران وجدي غنيم الصديقة

09 سبتمبر 2017

هل يمثل وجدي غنيم تياراً حقيقياً قوياً؟

+ الخط -
كنت طفلاً في الصف الخامس الابتدائي، حين اخترق أذني، للمرة الأولى، الصوت الحاد لشيخي المحبوب وقتها، وجدي غنيم. بسرعةٍ، التهمت عشرات من شرائطه، ومعها تجرّعت سمومه المدسوسة وسط عسل نكاته. أذكر مثلاً تأثري البالغ وقتها بشريط عن المخالفات العقدية في الأمثال الشعبية، وكيف أن المصريين يلفظون بالكفر من دون أن يدروا.
ظل الإخوان المسلمون يقدّمون الرجل بفخر بصفته أحد رموزهم طوال سنواتٍ، ساهم فيها بتشكيل وعي جيل من الجماعة أو غيرهم من المتدينين، لكن الرجل استدار وأطلق النار على جماعته نفسها.
أذكر أنني سمعت شريطاً نارياً أصدره قبل انتخابات 2005 البرلمانية، يهاجم مخالفة "الإخوان" الشريعة بترشيحهم النساء على قوائمهم. أذكر سخريته بوقاحة من القيادات التي دعمت القرار، معايراً إياهم أن زوجاتهم سيدورون لمخاطبة الناخبين الرجال "أترضاه لزوجتك يا دكتور؟"، لم يصدر أي تعليق إخواني رسمي.
بعد ثورة يناير تواصلت قذائفه، هاجم عبدالمنعم أبوالفتوح، قائلاً "روح دق صليب أحسنلك"، لأنه زار نجيب محفوظ، ولأنه قال إن إله المسلمين والمسيحيين واحد.
وجدي غنيم يهاجم لقاء الرئيس محمد مرسي بالفنانين، ويقول لو الحجة هي أنك رئيس كل المصريين فلتقابل طائفة الحشاشين، أو طائفة من يعمل عمل قوم لوط. لا تعليق.
وجدي غنيم ينتقد تهاون الرئيس مرسي، ويطالبه بتطبيق حد الحرابة في القرآن على بلطجية وزارة الداخلية. لا تعليق.
بعد عزل مرسي، انطلق الرجل إلى آفاقٍ أبعد. على قناة مصر الآن التي تمثل رسمياً جماعة الإخوان تمت استضافته مراراً، وتحدّث عن تكفير عبد الفتاح السيسي المرتد.
حين أحرق "داعش" معاذ الكساسبة، ظهر ليؤيد شرعية ذلك من الكتاب والسنة. لا تعليق.
معركة ضد الشيخ عصام تليمة، لأنه يجيز تهنئة الأقباط بالأعياد. لا تعليق.
أطلق وجدي غنيم، في يناير/ كانون الثاني 2015، إحدى أقوى قذائفه الثقيلة ضد جماعته، حين صدر بيان من "البرلمان الشرعي" الذي يعقده الإخوان المسلمون في تركيا لتعزية فرنسا بضحايا الاعتداء الإرهابي على مجلة شارل إيبدو. وصفه بأنه "برلمان الخيانة والعار"، وبأنه "مجلس ردّة"، وقال إنه "ذهب لتعزية فرنسا الكافرة المجرمة المحاربة للإسلام في المجرمين الكفرة الذين سخروا من الرسول". لاقى هذا الموقف انتشاراً هائلاً في الإعلام المصري والعربي. رد "الإخوان": لا تعليق.
قذيفة كلامية أخرى أطلقها ضد قنوات "الإخوان" لأنها تُظهر مذيعاتٍ على شاشتها، على الرغم من أن هذا عمل الرجال فقط، وأقسم بالله أن النصر لن يأتي باستمرار ما يحدث. لا تعليق.
قذيفته أخيرا كانت هذه المرة ضد تونس بشأن قوانين الميراث والزواج، وقال إن الرئيس الباجي السبسي كافر مرتد، وقادة حركة النهضة ابتعدوا عن الإسلام، نعت الشيخ عبدالفتاح مورو بـ "الأراجوز"، والرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بالملعون. تحرّكت تركيا رسمياً، وأبلغ السفير التركي الحكومة التونسية رفض بلاده القاطع، وأنها ستتخذ إجراءات قانونية لمقاضاة غنيم. رد "الإخوان": لا تعليق.
جماعة الإخوان المسلمين التي أحالت إلى التحقيق، وفصلت ما لا يُحصى من شبابها خلال 2011، بتهم غاية في التفاهة، لم تجد أي داعٍ ولو لموقف خطابي من وجدي غنيم. واستمر تجاهله بعد انقسام الجماعة مخرجاً من الطرفين، حتى أعلن هو بنفسه تجميد عضويته في أبريل/ نيسان 2017.
التفسير السهل هو أن "الإخوان" يخادعون عمداً. بعد ثورة يناير مباشرة، ظهرغنيم في لقاء مع قناة سهيل الفضائية، وقال إنه مازال ينتمي للجماعة، وأنه ينصح المرشد محمد بديع، مع علمه أن "الإخوان" يقولون بالعلن أموراً لا يعنونها، كقولهم إنهم أجروا انتخابات داخلية "ديمقراطية"، على الرغم من أنه مفترض أننا فقط نتبنى "الشورى".
التفسير الواقعي أن وجدي غنيم يمثل تياراً حقيقياً قوياً، يؤمن بكل أفكاره، ويجد لها أسانيد تمتد من التراث إلى كتابات حسن البنا الذي كان مثلاً ضد تعليم الفتيات كالرجال. ولكن لأن هذا التيار يواجه تيارات داخلية حقيقية جداً أيضاً، ولديها أفكار أخرى، ولأن الصورة الخارجية المطلوبة مختلفة، فالخيار الدائم هو الصمت عنه، مع استغلاله داخلياً لترسيخ عزل أفكار القواعد وممارساتها عن الشعارات السياسية المعلنة. الإشكالية الأعقد هي في عدم التحديد الفكري للإخوان المسلمين. وبالتالي، يكاد ينتمي كل شخص لجماعة الإخوان الخاصة به فقط. يا معشر "الإخوان".. من أنتم، وماذا تريدون؟