عندما تسلح فرنسا طائراتها بدون طيار

عندما تسلح فرنسا طائراتها بدون طيار

09 سبتمبر 2017
+ الخط -
كتبت وزيرة الجيوش (الدفاع) الفرنسية، فلورنس بارلي، على حسابها على "تويتر" يوم 5 سبتمبر/ أيلول الجاري أنها قرّرت تسليح طائرات بلادها بدون طيار للمراقبة. وبهذا، تعمل بتوصية تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي في مايو/ أيار الماضي، أعدته مجموعة العمل عن "طائرات بدون طيار في القوات المسلحة"، بتسليحها، ربحاً للوقت والفاعلية في تحييد الأهداف ذات القيمة الكبيرة في بعض المسارح، مثل الشريط الساحلي-الصحراوي.
يشكل القرار الذي تنتظره القوات المسلحة الفرنسية منذ مدة قطيعة في التصور الإستراتيجي الفرنسي لاستخدام هذا السلاح، كون فرنسا رفضت تسليح هذه الطائرات في السابق. وبقرارها هذا، تنضم إلى النادي المصغر للقوى التي سلحت طائراتها للمراقبة بدون طيار، لضرب أهداف محددة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وإيطاليا.
هكذا تشهد الإستراتيجية الفرنسية تحولاً، بعد أن كانت تعتمد على المزج بين الطائرات بدون طيار للمراقبة والمقاتلات التقليدية (بطيار) لضرب الأهداف التي اكتشفتها/ حدّدتها الأولى. ويطرح هذا المزج إشكالاتٍ عملياتية للقوات الفرنسية المنتشرة في بعض المسارح، لاسيما في الساحل. لذا، طالبت الأخيرة بإعادة النظر فيها، ذلك أن القاعدة المعمول بها عدم تحليق 
الطائرات بدون طيار والمقاتلات بطيار في الدائرة الجوية ذاتها (مدرجات الإقلاع والهبوط والمناطق المحاذية لها). ومن ثم يعني هذا القرار التخلي عن الأخيرة، ووضع استراتيجية متكاملة، تضمن سلامة تحليق الطائرات بدون طيار والمقاتلات التقليدية في الوقت نفسه، بإدخال نظامٍ جديدٍ للكشف والتفادي، تُجهز به الطائرات الفرنسية لتفادي أي اصطدام في الجو بين هذين النوعين من السلاح.
في كلمتها في اختتام الجامعة الصيفية للدفاع، في مدينة تولون جنوب فرنسا (على الساحل المتوسطي)، يوم الثلاثاء الماضي، أكدت وزيرة الجيوش الفرنسية أن تسليح الطائرات بدون طيار سيحدّ من الأضرار الجانبية، وأن ضربات هذه الطائرات ستحكمها قواعد في غايةٍ من الدقة، معتبرة أن هذا القرار يجعل القوات المسلحة الفرنسية تتأقلم مع خصمٍ متخفٍ ومتنقلٍ في فضاء ساحلي- صحراوي شاسع. كما أكدت أن هذا لن يغير من التزامات فرنسا احترام القانون الدولي والحد من التسلح، بيد أن هذه التأكيدات لن تضع فرنسا في منأىً عن نقاشات داخلية ساخنة، لما تخطئ طائراتها بدون طيار أهدافها، أو تكون تكلفة الأضرار الجانبية (بشرياً) أضخم بكثير من الأهداف التي ضربتها، كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة في أكثر من مسرح (أفغانستان، اليمن..).
تملك فرنسا ست طائرات بدون طيار للمراقبة، من طراز ميل ريبر أميركية الصنع. وبالتالي فتسليحها بحاجة إلى ترخيص من الكونغرس الأميركي (سبق وأن رخص بذلك لبريطانيا في 2015)، خمس منها مرابطة في مالي والنيجر، في إطار عملية برخان الفرنسية، وواحدة في شرق فرنسا. لكن يبدو أن تسليح هذه الطائرات لن يتم قبل العام 2020 (لأسباب تتعلق بنوع الصواريخ التي ستزود بها وبالجانب الإجرائي). كما اقتنت فرنسا ست طائرات إضافية ستستلمها في 2019. ولضمان استقلالها الاستراتيجي في مجال هذا النوع الجديد من السلاح، تتعاون فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانياً في إطار مشروع مشترك لصناعة طائرة أوروبية بدون طيار، يُنتظر أن تدخل الخدمة في 2025.
طبيعة التهديدات والمخاطر المتنقلة والمنتشرة في الساحل هي التي أجبرت فرنسا على اتخاذ هذا القرار، فآلتها العسكرية في الأجواء الساحلية- الصحراوية تعاني خللاً، لأن الوقت بين تحديد طائرات بدون طيار أهدافا وتدخل المقاتلات لقصفها، يسمح للمستهدفين بالتحرّك والاختفاء مجدداً. لذا طالب الضباط الفرنسيون العاملون في عملية برخان بتسليح الطائرات بدون طيار، وبالتحليق المتزامن لها وللمقاتلات التقليدية.
للقرار مبتغاه السياسي محلياً أيضاً، فالعلاقة مضطربة بين الرئيس إيمانويل ماكرون والجيش
الفرنسي، منذ استقالة قائد الأركان السابق الجنرال بيار دوفيليي، عقب قرار ماكرون تقليص ميزانية الجيش لعام 2017 وتعامله بشكل لا يليق مع الأخير، ما أثار انتقاداتٍ واسعةً في أوساط الطبقة السياسية والجيش (عبر قنوات غير رسمية). ومن ثم، فقرار الحكومة تسليح طائرات بدون طيار، لم يأت فقط نزولاً عند رغبة الجيش، وتحديداً القوات المرابطة والمتدخلة في بعض المسارح، مثل الشريط الساحلي- الصحراوي، بل ومحاولة أيضاً لرأب الصدع بين الرئيس ماكرون والجيش، خصوصا أن الأول أساء التقدير مجدّداً لمّا استخدم مفردات تسلطية في حديثه عن الجيش (معتبراً ما حدث مع استقالة الجنرال دوفيليي مجرد "عاصفة في كوب ماء" وأنه "لا يأسف لما حدث") في حواره المطوّل مع مجلة لوبوان، الأسبوع الماضي. وفي وقتٍ انتقد فيه قائد الأركان الجديد الجنرال فرانسوا لوكونتر، استخدام ميزانية الجيش آليةً لتصحيح اختلالات الميزانية الفرنسية. وهذا ما يفيد باحتمال تحول العلاقة "المتوترة" بين الرئيس والجيش من مشكلةٍ ظرفيةٍ إلى مشكلة بنيوية، خصوصا إن لم يف الأول بوعده القاضي برفع ميزانية الجيش إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي الخام بحلول 2015 (ليصل إلى حوالي 50 مليار يورو سنوياً).