رسالة وليد المعلّم إلى الأكراد

رسالة وليد المعلّم إلى الأكراد

01 أكتوبر 2017

المعلم في موسكو.. كلام موّجه إلى تركيا وليس الكرد(13/4/2017/الأناضول)

+ الخط -
بعيداً عن ضوضاء المعارك، وجه وزير الخارجيّة السوريّ، وليد المعلّم، رسالةً عبر وسيلة إعلامٍ روسية إلى الكرد السوريين، مفادها بأنَّ إقامة نظام إدارة ذاتيّة للأكراد في سورية "أمرٌ قابل للتفاوض والحوار في حال إنشائها في إطار الدولة السورية". بهذا الشكل الموجز، وجّه المعلّم رسالته التي تبدو في متنها موجّهةً إلى الأكراد السوريين بشكلٍ خاص، بيد أنها تخفي في مضامينها مراميَ وغاياتٍ أخرى.
أن يصدر كلام يخصُّ الوضع الداخلي السوري، عبر رجل دبلوماسية النظام الأوّل، أي ممن يفترض أن يكون دوره مناطاً بالعلاقات الدوليّة والخارجية، لا الحديث في مسائل يفترض أنها داخلية – وطنيّة، وفي هذا التوقيت، حيث تبلغ المشاعر القومية أوجها، لهو كلامٌ جديرٌ بالمتابعة وتفسير مفرداته؛ فالنظام السوري، ومنذ اندلاع الثورة السورية ربيع 2011، دأب على شدّ الأكراد تجاهه عبر حزمة قوانين، منها إعادة الجنسية للأكراد المجرّدين منها، وإلغاء المرسوم 49 الذي كان يمنع بيع العقارات وشرائها في المناطق الحدودية، إلى جانب إبدائه الاستعداد للحوار مع ممثلي الحركة السياسية الكردية، على الرغم من تردّد أطراف كردية، ورفض الأطراف الأخرى بشكلٍ قطعي الحوار مع النظام.
الغالب على الظن أن رسالة وليد المعلّم ليست موجّهة إلى الأكراد كما يُفهم من شكلها، فالنظام يمتلك من الأقنية والوسائل القادرة على توصيل رسائله هذه بمعزلٍ عن الوسيلة التي اتبعها هذه المرّة في مخاطبة الأكراد السوريين، أي عبر خارجيته وفي حوارٍ متلفز. لذا ستبدو مسألة فهم كلام المعلّم أنها رسالة مبطّنة إلى أطراف إقليمية أقرب إلى اليقين.
يعرف النظام السوري، كمن يعرف باطن يده، أن تركيا تُستثار بسرعة من المسألة الكردية داخل سورية، خصوصا إذا نظرنا إلى طبيعة تنامي حجم حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) ونفوذه، وهو الحزب الذي تناصبه تركيا العداء. ولعل تلويح دمشق بإمكانية الموافقة على شكلٍ
لامركزي، يضمن للأكراد الحكم الذاتي في المنطقة المتاخمة لتركيا، قد يزيد من إثارة تركيا وانفعالها. بالتالي قد ترمي دمشق إلى أن تقدم تركيا على مزيد من التنازلات في الملف السوري. وهذا ممكن بالنظر إلى التراجعات التركية، أو ما سمّيت "الانعطافات التركية" قبل جلسات مؤتمر أستانة وبعدها، وذلك في مقابل عدم استمرار النظام السوري في تنفيذ ما أشار إليه المعلّم.
حتى وإن كانت غاية النظام توجيه رسائل خارجية، فإن الأطراف السياسية الكردية المتعدّدة، لم تأخذ كلام المعلم/ النظام على محمل الجد، وذلك لاعتبارات عديدة، منها أن النظام لا يملك من القوة ما يمكنه منح الأكراد ما يطمحون إليه، خصوصا أنهم باتوا، وبحكم الأمر الواقع، يسيّرون المناطق ذات الغالبية الكردية، والتي باتت تشهد حكماً ذاتياً منذ مطلع 2012، كذلك معرفة تلك الأطراف أن النظام يرمي إلى استعادة كل سورية إلى حظيرته المركزية، ولن يفرّط بالنظام المركزيّ، مهما تناوبت عليه الضغوط، وأنه ليس جاداً في مسألة الحكم الذاتي الذي سيمنحه للمناطق الكردية، نظراً لطبيعة النظام وذهنيته القائمتين على أساس " كل شيء أو لا شيء"، علاوةً على فهم رغبة النظام المتجلية بدفع قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ذي الحمولة الكردية الواضحة، إلى الوراء، وإخراجها من المناطق العربية بالأخص من محافظة الرقة وريف دير الزور، في مقابل التفاوض على الحكم الذاتي للمناطق الكردية، أي أن ما يقوله النظام مجرّد تكتيك مؤقّت.
سبق لرأس النظام، بشار الأسد، أن صرّح، في حوارات متلفزة، عن صعوبة تطبيق الفيدرالية في سورية، نظراً إلى "صغر" مساحة سورية، إضافةً إلى إصرار النظام في ما مضى على أن الفيدرالية، أو اللامركزية، بحاجة إلى موافقة الشعب السوري برمته، أي أن النظام ليس مخوّلاً بمنح الأكراد السوريين هذا "الحق"، فما الذي دعا وزير خارجية النظام السوري إلى نقل موافقة النظام إلى العلن، وبهذا الشكل؟
للإجابة على هذا التساؤل، ربما يتوجب علينا النظر إلى الجهة المتضرّرة من تصريحٍ كهذا، أي إلى تركيا، التي قد تبذل عنادا كثيرا، و"انعطافاتٍ" كثيرة، لأجل عدم تحوّل الحلم الكردي جنوب حدودها إلى كابوسٍ جديدٍ يؤرِّقها. وبالتالي، فإن تفسير ما بين السطور في رسالة المعلّم يصبح أسهل وأكثر يسراً، فهو إن لم يكن قد نجح في استقطاب الأكراد، فإنه نجح في استثارة الأتراك، وبذا تكون رسالته خارجيةً بامتياز، وغير متصلةٍ بوضع داخلي.