ما بعد بعد المصالحة الفلسطينية

ما بعد بعد المصالحة الفلسطينية

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
يبدو أنّ الـ 84 عاما التي مرّت من عمر الرئيس الفلسطيني محمود عباس كانت كفيلة بإقناعه أنّ ما يسمّى هجوم السلام الفلسطيني وصل أخيرا إلى الحائط بعد ثلاثون سنة على انطلاقة، وأنّ رهانه على حل الدولتين مني بخسارة نكراء في معركة البقاء على هذه الأرض، وأنّ الحلم بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 أصبح مستحيلا، بعدما نجح الاستيطان في ابتلاع الأرض، ومعه الحلم الفلسطيني بدولة مسالمة إلى جانب "اسرائيل".
ما يؤكد هذا هو خطاب نعي "أوسلو" ولمسار التسوية مع الاحتلال الذي ألقاه عباس أخيرا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أقرّ فيه بفشل السلطة التي تحولت إلى سلطة بدون سلطة.
إلا أنّ التحذير الذي أطلقه عباس بحل السلطة، وترك "إسرائيل" تتحمل مسؤوليتها دولة احتلال، والعودة إلى خيار الدولة الواحدة من البحر إلى النهر، لا يبدو واقعيا في ظل موازين القوى والتحولات الكبرى، في خرائط الإقليم التي ترسمها البنادق التائهة بالدم والرصاص. وعليه، بات عباس بحاجة إلى البحث عن الخيارات البديلة، وأنّ يحاول جمع أوراق القوة حوله من جديد، وأولها استعادة السيطرة على قطاع غزة.
من جهة أخرى، حماس، وبعد أكثر من عشر سنوات عجاف من الحصار وخطابات الصمود الجافة، وبشكل دراماتيكي يدل على براغماتية مفرطة، تذهب مع جل بيضها لتلقيه في حجر المخابرات المصرية، وتودع لديها اللجنة الإدارية، ومعها كل مكونات الحكم في غزة منذ 2007، أملا بالحصول على مصالحة شاملة مع الرئيس محمود عباس، تأذن بدخولها بيت الطاعة الفلسطيني (المجلس الوطني ومنظمة التحرير ولجنتها التنفيذية)، للشروع في أولى خطوات إعادة البناء، ونفخ الروح في هذه الهياكل التي صفرت فيها رياح الإهمال سنوات طويلة لصالح السلطة وهياكلها المختلفة.
برّرت "حماس"، وفي مغازلة مفضوحة مع عباس، خطوتها السريعة نحو القاهرة، بأنها حلت اللجنة الإدارية، واستجابت لكل شروط المصالحة التي طلبها عباس، لكي لا يقف الرئيس وحيدا ضعيفا على منصة الأمم المتحدة، وكي يظهر بأنه يمثل الكل الفلسطيني.
يبدو أنّنا، نحن الفلسطينيين، أمام فريقين، أحدهما فريق عباس الذي فشلت خياراته السياسية وأوصل القضية إلى طريق مسدود، فابتلع العدو عبر سنوات المفاوضات الخداعات الأرض، ومعه الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة، وأعلن هذا الفشل من فوق أكبر منبر في العالم وهو منصة الأمم المتحدة. وفريق آخر متمثلا بحماس، يبدو أنها تحاول عبر تحقيق المصالحة الفلسطينية الفلسطينية النفخ في أوراق القوة الفلسطينية عبر إحياء المرجعيات التي أنجبتها الثورة، وأهملتها السلطة الوطنية في سنوات الرهان الخاسر والتيه السياسي، مستندة إلى إرث طويل من المقاومة والنضال، ثم على بعض قوة نجحت في مراكمتها خلال سنوات الموت والألم.
وما بين الواقع المر للقضية الفلسطينية الذي شخصه الرئيس عباس أمام العالم في الأمم المتحدة، والخيارات البديلة التي يحاول عباس وحركة حماس البحث عنها في جنبات المراجعة، يبدو أنّنا بتنا، ككل فلسطيني، بحاجة إلى مراجعة استراتيجية لا يتفرّد برسمها فصيل أو حزب دون آخر، مهما بلغ حجم هذا الطرف، أو امتلك من طقوس الشرعيات المفترضة.
أوصل صراع الشرعيات بين الحركات والأحزاب القضية إلى ثقب أسود، تبتلع فيه "إسرائيل" كل شيء، والبقاء في هذه الدائرة المفرغة، ما يضع الجميع أمام مستقبل غامض في ظل معادلة التسوية الجديدة، أو سميت "صفقة القرن".
وعليه، ربما بات على شعبنا وقواه الحيّة في كل أماكن وجوده رفع الصوت عاليا وعدم السماح لأي جهة بالتفرّد برسم معالم المراجعة والاستراتيجيات القادمة لقضيتنا، فخطورة المرحلة تتطلب قيام الكل الفلسطيني بدوره في عملية المراجعة الاستراتيجية وتصويب المسار الوطني.
احتكرت حركة فتح رسم السياسات العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ 1969، كما احتكرت موقع القيادة فيها، فشلت فشلاً ذريعاً في كل رهاناتها السياسية، بدءا من فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية 1970، مروراً بالبرنامج المرحلي وفكرة السلطة المقاتلة على أيّة أرض فلسطينية 1974، ثم مشروع التسوية السياسية وحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية عام 1988، وليس انتهاء بتوقيع اتفاق أوسلو 1993 ثم قيام السلطة، وما أعقبه من تغيير في الميثاق الوطني الفلسطيني، ومعه كل تاريخها الوطني 1996.
ولم يعد في القوس منزع للسماح لأيّ حركة أخرى، مهما بلغت من القدسية والطهارة الوطنية، بتكرار ذات التجربة، وبات الواقع المر يفرض على قوى شعبنا الحية مزاولة دورها الحقيقي في إعادة بناء (وتفعيل) منظمة التحرير، الإطار الجامع والبيت المعنوي للشعب والقضية، لتمارس دورها الذي أنشئت من أجله، وهو التحرير وتحقيق حلم العودة.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)