قال السيسي ما لم يقله نتنياهو

قال السيسي ما لم يقله نتنياهو

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
لم يتحدث رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن أي أمر يتعلق، من قريب أو بعيد، بما يتعلق بعملية السلام مع الفلسطينيين، ولم يتحدث عن أي أطروحة للسلام، طرحت من هنا أو هناك، لكنه تحدث فقط عن عظمة إسرائيل ونور الكيان الصهيوني الذي بدا يشع على كامل المعمورة، وبشر بأن ثورة حدثت في العالم لتقبل ذلك الكيان الصهيوني بزيارته ست قارات وزيارات رؤساء ورؤساء وزراء لإسرائيل لأول مرة، وتحدث أن تلك العلاقات الصهيونية بالعالم، والتي تقدمت في كل مجال، وقدمت إسرائيل للعالم أجمع خدماتها، كأنما يجعل من هذا الكيان الصهيوني دولة عظمى. وشكر كل داعميه ومسانديه، ولم يأت على أي أمرٍ يتعلق بعلاقاته، أو بإشارةٍ إلى أحوال التطبيع مع المتصهينة العرب. وحينما تحدث عن الخطر تحدث عن خطر إيران الزاحف إلى العالم الذي يجب أن يقاوم، وأكد على صواب نظرة الرئيس دونالد ترامب في هذا المجال. واختتم كلمته بعبارة تصف تحولات دول العالم في تطور علاقاتها، فأكد "أصبحت إسرائيل تعانق العالم، والعالم يعانق إسرائيل"، هكذا كانت كلمة رئيس وزراء الكيان الصهيوني، تلك الكلمة التي سبقت كلمة منقلب مصر عبد الفتاح السيسي.
قال السيسي في خطابه ما لم يقله نتنياهو، خصوصا أنه قد قابله قبل إلقاء كلمته وهو يتبادل معه الضحكات العريضة والقهقهات الغريبة والصور المريبة، والتي كانت موضع تعليق من كثيرين، ليس فقط من أعدائه، ولكن ربما من حلفائه. جلسة حميمية، وكأنه يجلس مع حليف، أو هو كذلك بالفعل، يوضح في تلك الصورة رمزية معينة، تتعلق بمدى عمق العلاقات الدافئة في السلام الدافئ، الموصوف على لسان السيسي من قبل. نرى دفء العلاقات بين هذين رؤية العين، وبدون أي مداورة، أو تخفٍ. لم يعد الأمر يستأهل ذلك. إنه يفعل ما يفعل في سيناء، 
على حد قول المنقلب السيسي، فقط حفاظا على أمن إسرائيل. هكذا يقول من دون أدنى لبس، يجلس على مائدة الأمن الإسرائيلي، ويعبر بكلمات كلها خضوع وانبطاح، يجد فيها نفسه ويدشّن عنوانا لسياساته في انبطاحه الاستراتيجي الذي فاق كل علاقةٍ مع هذا الكيان الصهيوني. صار هؤلاء الذين تبادلوا الزيارات في السر مرة في العقبة، ومرة في القاهرة، يتزاورون في العلن في أرجاء مقراتهم في الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة في دورتها الثانية والسبعين.
أخطر ما عبر عنه المنقلب في كلمته أنه حمل على عاتقه، بعد أن تغافل نتنياهو عن الكلام عن السلام مع الفلسطينيين، فترك خطابه المكتوب، وبدأ لحظات يرتجل.. يرتجل من أجل إسرائيل، يطالب المواطن الإسرائيلي أن يقف إلى جانب المواطن الإسرائيلي. بالطبع كان يقصد الفلسطيني، إلا أنه وقد ملأ الكيان الصهيوني والإسرائيلي عليه كيانه، واستقر في وجدانه ويظهر في فلتات لسانه لم يعد يجد إلا إسرائيل يتحدث عنها، فنسي الفلسطيني، وأثبت الإسرائيلي مرتين. وبدأ كذلك يتحدث عن سلام مزعوم وتعايش ملغوم يحاول أن يسوقه، على الرغم من أن الكيان الصهيوني لم يفعل شيئا مستحدثا، إلا أن يقوم بانتهاكات يومية، وبإجرام يومي، وبانتهاكات للمسجد الأقصى، وعمليات تهويد ممنهجة للقدس، وإطلاق قطعان المستوطنين، لانتهاك باحات الأقصى في كل مكان، من دون أي اعتبار لأي حرمة أو قدسية. فعل ذلك كله، ولم يجد من يشجب أو يستنكر، فاستمر في غيه، وبدا له يمارس غصبا ممنهجا وقديما للأراضي الفلسطينية في اتساع المستوطنات، وفي بناء الجديد منها تحت نظر الدنيا، غير عابئ بأي معارضات، على الرغم من حقيقة الأمر أن الكلمات ماتت، وانتفت الاحتجاجات، وماتت المعارضات إلا من قليل من الفلسطينيين الذين حملوا هم مقاومة الصهيونية، خصوصا في انتهاك حرمات الأقصى من المرابطين والمرابطات.
ماذا عن هؤلاء الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها بشأن رسالة برتوكولية تضمنت "عزيزي بيريز". وعلى الرغم من أننا كشفنا النقاب عن واحدةٍ من حالات الدس والتدليس من المراسيم البروتوكولية التابعة للحرس الجمهوري، آنذاك في قصر الاتحادية، وأن هؤلاء قصدوا بلعبتهم توريط الرئيس محمد مرسي في ذلك، إلا أنهم جعلوا من ذلك مادة، وكأنه ارتكب المحرّم. ونسى هؤلاء مواقف مهمة ومشرفة للنظام، حين كان العدوان الصهيوني على غزة. ومع ذلك، 
انتهز هؤلاء متصيدين هذه الكلمة، وأقاموا حفلات ندبهم وصراخهم وعويلهم كيف يتحدث مع إسرائيل العدو بذلك الحديث. ها هو منقلبه يجلس على حجر إسرائيل، مؤتمرا بأمر الكيان الصهيوني، ينبطح انبطاحا استراتيجيا يجعل الأمن الإسرائيلي جزءا من الأمن المصري، لا يجرؤ مرة أن ينتقد إسرائيل، ولو بشطر كلمة، لكنه دائم الحديث عن نتنياهو أنه رجل فذ، رجل تاريخي يؤثر في المنطقة. هكذا كانت مفردات السلام الدافئ التي يطلقها في كل كلماته. وكما نسى الفلسطيني في خطابه، فإنه في كل مرة لم يتحدث أبدا عن حقوق الفلسطيني، ولا عن السلام العادل المأمول، بل روّج نظرة السلام الإسرائيلي غير منقوصة.
ماذا تنتظر من المنقلب السيسي الذي التمس من البوابة الإسرائيلية مدخلا له لشرعنة نظامه، وهو يعرف أن هذه البوابة مضمونة، وهو ما جعل خطابا من الإطراء والمديح المتبادل المعتمد من الجانبين رسميا وإعلاميا، حتى أن هناك من اعتبره منحة إلهية ومعجزة إلهية لإسرائيل. بدا ذلك كله واضحا. وجاء أحد الكتاب في حديثه فاضحا، حينما يتحدث: ما لنا لا نطور علاقاتنا مع إسرائيل، وقد كان لها الدور الأكبر في نصرة ثورة الثلاثين من يونيو في مصر ودعمها، ما أدى إلى نجاحها.. أرأيتم كلاما أكثر فجورا من ذلك، لتبرير فعل أقبح مما يحدث. إنها شبكة المتصهينة العرب من قادة وكتاب، ومن جوقة إعلام، تعزف معزوفتها، لتدعم المستبد في كل أمر. لم تعد تتحدث عن إسرائيل العدو، بل انقلب الأمر إلى الحديث عن إسرائيل الحليف والمكسب. إنها حركة المتصهينة، حينما تتشابك في الأهداف والمصالح، فتعبر ضمن محيط إقليمي عن تمرير العدو الصهيوني وأفعاله، فالمسألة الآن ليست في تبرير وجود إسرائيل، وإنما في دعم استراتيجية الكيان الصهيوني. هكذا قال السيسي ما لم يقله نتنياهو، في تناغم واضح، مروجا ومادحا، لا تهمه الحقوق، بقدر ما يهمه أمن إسرائيل واستقرارها.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".