شعب الكلاب

شعب الكلاب

26 سبتمبر 2017
+ الخط -

كان يمكن أن يكون صباحًا قمعيّاً عاديًاً، على غرار ما سبقه من أيام تعيشها ردهات القصر، كلما استيقظ الرئيس، وبدأت مراسيم الاستبداد تتوالى، غير أن ذلك الصباح، تحديدًا، شهد مفاجأة ألجمت بطانة القصر، حين وقعت أعينهم على ذلك الذيل النابت بغتة من الرئيس، وهو يتجول في القصر.. كان يشبه ذيل الكلب تمامًا.

والغريب أن الرئيس لم ير الذيل، ولم يشعر به، فوقع المحيطون به في حيرةٍ من أمرهم، إذ لم يجرؤ أحد منهم على إبلاغ الرئيس بأمر الذيل الجديد؛ لأنهم كانوا يعرفون أي مشنقةٍ سيعلق عليها من يغامر بهذه الحماقة. وبعد طول حيرة، قرّرت بطانة الرئيس عقد اجتماع سرّي للتداول بشأن معضلة الذيل التي وقعت على نافوخهم.

بالطبع، كان أول قرار حاز الإجماع، ضرورة بقاء الرئيس مغيّبًا عن ذيله، كي لا تقع الكارثة. لكن إلى متى، فالقصر مكتظ بالمرايا. وبعد تفكير عميق، توصل وزير الحيطان في القصر، وهو يضرب عينيه بقبضته، إلى حلّ مفاده إقناع الرئيس بضرورة إزالة المرايا، بذريعة اكتشاف علمي جديد مفاده بأن المرايا تسبب "الضعف الجنسي"، ولا ريب أن الرئيس سيستبدّ به الفزع من هذا الاكتشاف الذي يمسّ أحد أهم أنشطته الرئاسية على الإطلاق.

انتقل المجتمعون، بعد ذلك، إلى معضلةٍ أخرى: ماذا لو عكست أحذية الرئيس اللماعة صورة الذيل؟ وهنا تدخل وزير أحذية الرئيس، وهو يضرب حذاءه بقبضتيه: "الحل بسيط، سأقنع فخامته بطراز جديد من الأحذية الفرنسية غير اللماعة، وسأبلغه أن الرئيس الأميركي نفسه بات يستخدمها، نظرًا لجودتها، وبما أنه متيّم بأميركا، فأنا واثق أنه لن يمانع، ولكم أن تثقوا بخبرتي الطويلة في التعامل مع أحذية فخامته".

ارتاح المجتمعون لاقتراح وزير الأحذية، غير أن المعضلة لم تنته، خصوصًا عندما سأل أحدهم: "لكن، ماذا نفعل بزوار فخامته، من الرؤساء الأجانب، إذا قرّر أحدهم أن يحضر بغتة للقاء الرئيس، فنحن لا سيطرة لنا عليهم؟".

كاد الإحباط يستبدّ بالمجتمعين عند هذه المشكلة، لولا أن نهض وزير حفلات الرئيس، المكلف برفاهيته، وهو يضرب على وجهه بقبضتيه: "لا عليكم، فالحل عندي. سأبرق لجميع زعماء العالم، بأن رئيسنا المبجل، المسكون بحماية حقوق الحيوانات، وتعاطفًا منه معها، قرر أن يزرع ذيل كلب على مؤخرته، كي يذكّر العالم كله بهذه الحقوق المنتهكة".

صفق المجتمعون استحسانًا لهذا المقترح الذي لم يخطر على بال أحدهم، وشعروا أن المعضلة في طريقها إلى الحل، غير أن أحد المجتمعين الماكرين، الطامح للوصول إلى مرتبة وزير، نطق بعبارةٍ أعادت الوجوم إلى وجوه الجميع، حين قال: "كل مقترحاتكم سديدة، أيها القوم، لكنكم لم تفكروا بالمشكلة الأهم، وهي الشعب، من يضمن لكم أن لا يجرؤ أحد من أفراده، خصوصًا المعارضين، أن يبقى صامتًا إذا رأى ذيل الرئيس في إحدى خطبه، وأنتم تعلمون كم يحب فخامته الخطب العصماء؟.. لكن لا تبتئسوا لدي الحل بشرط واحد.."

تعلقت أعين المجتمعين وحناجرهم بالمتحدث، كمن ينتظر قرارًا متأخرًا بانتشاله من الجحيم، في حين ابتسم "المنقذ"، وقال: "الشرط أن يتم تعييني وزيرًا لذيل الرئيس، على اعتبار أنني وجدت الحل الأصعب لمعضلة الذيل".

تنفس المجتمعون الصعداء بلا تردّد، فقد كان الثمن يستحق هذه المجازفة التي يبدو أنها ستنتشلهم من محنة الذيل.

ضرب وزير الذيل الجديد مؤخرته بقبضتيه، وقال: "سنصدر مرسومًا بالخفية عن الرئيس، يقضي بإلزام المواطنين كلهم، بزرع ذيل كلب على مؤخراتهم، تحت طائلة الإعدام، وبذريعة أن الرئيس نفسه سبقهم إلى ذلك، وعندها لن يثير ذيل الرئيس استغرابهم".

أيد المجتمعون الاقتراح بشدة، وتم الأمر سريعًا، وأصبح لكل مواطن ذيله الخاص.

أما الزعيم الذي فوجئ بتلك الذيول النابتة على مؤخرات شعبه، في أثناء تجواله، فقد راح يقهقه، وهو يردد ساخرًا: "كنت أعلم، من زمان، أنني أحكم شعبًا من الكلاب".      

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.