هيكل الأمم المتحدة الركيك

هيكل الأمم المتحدة الركيك

23 سبتمبر 2017
+ الخط -
لم تعد الأمم المتحدة قادرةً على تلبية متطلبات العصر الحالي، تحديداً حاجات عهد ما بعد انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991). أثبتت الاختبارات المتلاحقة فشل المنظومة الدولية في الحفاظ على الحدّ الأدنى من السلم في العالم. لم تستطع منع الحروب أو إيقافها، بل اقتصر دورها على كونها "الإسعاف"، أو "المكمّل" لأي اتفاق سياسي، ثنائي أو جماعي. حتى أن "حق النقض" الممنوح لأعضائها الخمسة دائمي العضوية أُفرغ من مضمونه مراتٍ عدة، خصوصاً في سورية. لماذا تستمرّ الأمم المتحدة إذاً ولماذا تمويل شركة "فاشلة" سياسياً وعسكرياً؟
قد لا يكون غريباً القول إن ديمومة الأمم المتحدة تنطلق من مسألة "غياب البديل" أو تغييبه. فالحاجة إلى منظمةٍ يُمكن جمع دول الكوكب تحت لوائها أمر ضروري في الشكل، لحماية مصالح الدول الصغيرة خصوصاً، من أي مطامع استعمارية لدول كبرى. في الشكل أيضاً، وجود منظومة قادرة على تحريك العلاقات بين دول العالم و"دوزنتها" مسألةٌ في غاية الأهمية، تحديداً بعد التأكّد من أن زمن "السلم العالمي" لن يبصر النور قريباً، في ظلّ توسّع رقعة البؤر العسكرية في العالم، وارتفاع حجم مبيعات الأسلحة. كما أن الحاجة إلى إطارٍ قانونيٍّ جامعٍ لكل الدول، يفترض أن يكون "خطوةً أولى" نحو مستقبل أكثر أمناً.
غير أن الأمم المتحدة تحوّلت إلى "عصبة أممٍ" أخرى، وكأنها باتت في آخر أيامها، على الرغم من الاستعاضة بأدوار إنسانية واجتماعية للمنظمة، تغطي بنسبة كبيرة فشلها السياسي والعسكري. وبعد أن كانت، طوال سني الحرب الباردة، نموذجاً للحراك السياسي الخصب، غطّت بيانات المنظومة الدولية الإنسانية وحملات المساعدة في أصقاع الأرض على الخطاب السياسي. لا بل اقترن اسم الأمم المتحدة في الملفات السياسية على "طول الزمن" أو "التجميد"، كالقرارات الدولية غير المنفذة المتعلقة بفلسطين المحتلة، أو في مراوحة الملف اليمني مكانه.
قد يكون اقترب موعد تغيير شكل المنظومة الدولية، لكن نهايتها لم تقترب بعد. في المضمون، فإن ضعف شخصية الأمم المتحدة سياسياً وعسكرياً، يفسح المجال أمام موتٍ بطيء حتمي، على أن تكون النهاية على شاكلة صدمةٍ ما، شبيهة بصدمة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، من دون أن يعني ذلك ضرورة العبور من منظمة أممية إلى أخرى عبر حربٍ عالمية. قد تكون عملية الانتقال في موازاة حراكٍ سياسي شامل في العالم. وهو ما كان يفترض أساساً أن تؤديه المنظمة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، فعدم تطوير المنظومة، في ذلك الحين، أدى إلى إضعافها. كما أن غارات قوات شمال حلف الأطلسي (الناتو) على يوغوسلافيا السابقة عام 1999، والتي تمّت من دون موافقة الأمم المتحدة، بسبب "حق النقض" الروسي ـ الصيني المشترك، ساهمت أيضاً في إظهارها ضعيفة.
وغني عن التعريف أنه في كل مرة تظهر فيها الأمم المتحدة ضعيفة، تتنامى قوة فريق آخر. في هذه الحالة، الأميركيون هم المستفيدون من تراجع المنظمة الأممية بشكل كبير، فقد تحرّكوا عسكرياً في أنحاء عدة من العالم من دون أن يلاقوا رداً، بل تأييداً ضمنياً في بعض الأحيان. وتمكّنت واشنطن من التحكّم بميزانية الأمم المتحدة، تماماً كما يفعل الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، في مسألة تمويل حلف شمال الأطلسي. بالتالي، لا يبدو أن الأميركيين مستعدون لإنهاء دور الأمم المتحدة، طالما أنها قادرةٌ على تلبية متطلباتهم، بكونها أضعف مما كان متوقعاً منها في ممارسة أدوارها عالمياً. وكي يتمّ إصلاح الأمم المتحدة أو تطويرها، فإنه يجب إقناع الأميركيين بذلك، أو انتظار أن تصبح المنظمة غير قادرةٍ على تأمين الحدّ الأدنى من المصالح الأميركية، كي يبدأ إصلاحها. وحتى ذلك الحين، تآكل جوهر المنظومة الدولية مستمر، على الرغم من ضجيج اجتماعات الجمعية العامة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".