تواصل أم سياسة؟

تواصل أم سياسة؟

22 سبتمبر 2017

حكومة العثماني لا ينتظر الناس منها شيئا (26/4/2017/الأناضول)

+ الخط -
كشفت الحكومة المغربية، بمناسبة مرور أربعة أشهر على تعيينها، عن وثيقة موسومة "120يوم/ 120إجراء" في سياقٍ يحيل على التقليد السياسي والإعلامي الغربي المتعلق بحصيلة المائة يوم الأولى.
حسب الوثيقة، تميزت المرحلة المرصودة بإرساء آلياتٍ للتتبع والتنسيق في العمل الحكومي، وإطلاق دينامكية حكومية قائمة على "الإنصات والإنجاز"، وبانطلاق برنامج للتواصل مع مجالس الجهات والمنتخبين، بهدف مواكبة مشاريع جهوية متقدمة. واعتبر رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، أن حصيلة أربعة أشهر من التدبير "كانت إيجابية وواعدة بالتقدّم في مسار خدمة المواطن والمقاولة وتعزيز مناخ الثقة، على الرغم من الصعوبات والإكراهات"، وأن هذه الحصيلة دليل يؤكد "مرة أخرى تميز النموذج المغربي المتسم بأمنه واستقراره". وذكّر بأن الإجراءات والإنجازات التي تم القيام بها تكشف عن حركية تصاعدية، تدل على مجهودٍ حكومي مهم، ومتسارع في وتيرته، كماً وكيفاً، من أجل الوفاء بعدد من الالتزامات المعلنة في البرنامج الحكومي، وترجمتها إلى إجراءات عملية وملموسة.
تميزت هذه الحصيلة المرحلية، حسب الحكومة، بانخراطها في العمل على معالجة ما نتج من التأخر في تنفيذ برنامج (الحسيمة- منارة المتوسط)، حيث طرح عليها منذ أول يوم من انطلاقها، ما جعلها تضعه ضمن أولوياتها، وخصصت له اهتماما كبيرا، كما أنها عملت على تسريع إنجاز المشاريع التنموية المفتوحة مع إطلاق مشاريع جديدة، وكذلك إطلاق وتتبع مشاريع تنموية وورش جديدة واتفاقيات عديدة موجهة إلى مختلف أقاليم المغرب.
اعتبرت المعارضة أن الحكومة لم تكن موفقةً في قرار الإعلان عن حصيلة أربعة أشهر، في سياق سياسي خاص يتميز بغليان شعبي غير مسبوق، وبانزياح السياسة من المؤسسات إلى الشارع، وبغياب مهول للحكومة من أفق انتظار المواطنين.
في التفاصيل، انتقدت أصوات من المعارضة والمجتمع المدني والصحافة المنحى التكنوقراطي الذي هيمن على تقديم الحكومة حصيلة كمية، مبتعدة عن الأفق الإصلاحي، ومفتقدة الروح والمعنى، وتشكل مجرد استمرارية عادية للسياسات السابقة، وتحرص بسذاجةٍ على تجميع ما يدخل في صميم العمل الإداري والتنفيذي اليومي في خانة المنجزات، فضلا عن الرهان على طريقة تواصلية، تجعل الحصيلة بعيدة عن النقاش المؤسساتي.
الواقع، وبعيدا عن خطاب الاطمئنان الذي طوّرته الحكومة، بمناسبة تقديم هذه الحصيلة، تحول هذا الموعد إلى مجرّد تمرين في العلاقات العامة، رضخ فيه السياسي لاختيار تواصلي "بليد"، رجح في الإخراج النهائي للحصيلة معطى الأرقام ورهان العدد والكم، ما أسقط الحصيلة، على مستوى التلقي، في فخ المبالغة والكاريكاتور، وجعل بعض المنجزات تذهب ضحية التعويم، وسط البحث الشاق عن تجميع 120 إجراء، لا يمكن، في النهاية، الاحتفاظ بأيٍّ منها داخل أذهان الرأي العام . وفي العمق، ليس المشكل فقط مشكل صورة وتواصل مهني، إنه سياسي.
تجرّ الحكومة وراءها خطيئة النشأة الأصلية. لا يمكن أن يتناسى المغاربة بسهولة حكاية الانحباس السياسي بعد اقتراع الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر/ تشرين الماضي، وكيف شكلت الأغلبية الممنوحة بقررات سيادية، وكيف مثل هاجس الانقلاب على نتائج تلك الانتخابات الهاجس الرئيسي لصناع هذه التجربة التي ليست سوى عنوان للتراجع عن الأفق الديمقراطي، ومحاربة الشرعية الصاعدة من أسفل والقرار الحزبي المستقل، وتكريس منافذ التنخيب المبنى على القرابة والمال وتبادل المصالح.
انتقلت الحكومة نفسها من خطيئة النشأة إلى حالة العجز الفادح في المشروعية. ترسخ ذلك مع حراك الريف، تم تعزّز مع خطاب العرش الذي يشبه ملتمس رقابة ملكي، حوّلها إلى حكومة تعيش تحت رحمة "إدانة" موقوفة التنفيذ.
أسوأ من حكومة لا تلبي انتظارات الناس هناك حكومة سعد الدين العثماني: حكومة لا ينتظر الناس منها شيئا. وهذه مشكلات لا تهم خبراء التواصل. المهم محاولة "بيع" السياسيين مثل مسحوق الغسيل، وتحويل السياسة إلى بضاعة، والتذاكي بابتكار عناوين تذكّر بالصيغ المستهلكة للإعلان التجاري. ويذكّرنا هذا بكلمة سحرية تلخص كل شيء، ونسمعها كثيرا، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول: السوق.
السوق، حيث يتحول الناخبون إلى مستهلكين، وحيث التواصل يعوّض الفعل، والتسويق يعوّض الإنجاز، والسياسة تصبح مجرد بضاعةٍ في حاجة إلى معلن شاطر، يعرف كيف يخفي عيوبها لكي يسوقها بشكل مربح.

2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي