مكتبة وطنية فلسطينية ضد النسيان

مكتبة وطنية فلسطينية ضد النسيان

20 سبتمبر 2017

المكتبة الوطنية الفلسطينية .. مشروع طموح

+ الخط -
أن تأتي متأخراً أفضل من أن لا تأتي أبداً، وأن تأتي متأخراً ولكن بجهد وعزيمة فهذا أفضل من الاعتذار وانتحال الأعذار. ينطبق هذا كله على قرار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إنشاء مكتبة وطنية فلسطينية، وتكليف وزارة الثقافة الفلسطينية، ممثلة بوزيرها الشاب المثابر، إيهاب بسيسو، بالشروع في إنشائها، في محل قصر الضيافة في بلدة سردا بالقرب من رام الله.
على الرغم من الأصوات التي تعالت معترضةً على القرار، لأسباب مختلفة الاتجاهات، إلا أن مما يسوّغه بعض التفكير بما نشهده كل يوم من استحداث الاحتلال الإسرائيلي وسائل جديدة لسرقة تراثنا الفلسطيني، ونسب هذا التراث إليه بادعاء أنه جزء من تاريخ إسرائيل، ابتداء من الأكلات الشعبية الفلسطينية، وتقديمها للسياح على متن الخطوط الجوية الإسرائيلية على أنها من أكلاتهم الشعبية، ومروراً بالثوب الفلسطيني الذي تتميّز به المرأة الفلسطينية وتتعدد أشكاله، باختلاف المناطق والبلدات والقرى التي عاشت فيها المرأة المكافحة المناضلة والمبتكرة إلى جوار الرجل، في رحلة كفاح سطّرها التاريخ بأحرف من نور، وليس انتهاءً بظهور وزيرة الثقافة الإسرائيلية، ميري ريغيف، وهي ترتدي فستاناً طويلاً، تزينت تنورته بصورة قبة الصخرة المشرفة؛ كل هذا يضرب في القلب غصّة، وينشب في الروح ناراً، وأقصد قلب وروح كل فلسطيني يتحرّق شوقاً لرائحة وطنه، ولكي لا ينسى تاريخه بموت الكبار.
ولا يعقل أن يعكف المحتل الغاصب على إنشاء مكتبته الوطنية مع الجامعة العبرية وفرقة الأوركسترا الموسيقية، كأهم ثلاثة أركان لتأسيس البنية التحتية لدولةٍ وُجدت من العدم، وقامت على أنقاض شعبٍ تبعثر في أرجاء الأرض، فكيف لا تكون هناك خطوة جادة لجمع ثقافة شعب فلسطين في مكان واحد، يكون أول مكان يصل إليه السائح أو الزائر للعاصمة الثقافية لفلسطين، رام الله. وبغض النظر عن ملاءمة المكان أو عدمه، فالمهم تجميع هذا الإرث، ويمكن نقله من مكان إلى آخر كما فعلت إسرائيل، وحيث نقلت مكتبتها الوطنية قبل عامين إلى مقر جديد قرب مبنى الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي.
يعتبر إنشاء المكتبة الوطنية في الدولة قراراً حكيماً يجسّد الانتماء للوطن، نظرا للدور الرائع والكبير الذي تضطلع به، فهي قرار سيادي، لا يقل أهمية عن العلم والنشيد اللذين يمثلان ركنين مهمين من رموز الاستقلال، فهي حاضنة للتراث الفكري والحضاري الفلسطيني، وهي مستودع الموروث الأدبي والفني، وحافظة له من الاستلاب والنهب والضياع والاندثار.
ولا تغيب عن البال أهمية المكتبة الوطنية للشعب الفلسطيني، ودورها في تعزيز صمود أبنائها وحفظ حقوقهم العلمية والثقافية والتاريخية والدينية والسياسية والاقتصادية، لمواجهة الاحتلال الصهيوني ومخططاته الرامية إلى تشويه التاريخ، وتزييف الرواية بما يتوافق والفكر الصهيوني.
لسنا بحاجةٍ لبحث ضرورة إنشاء مكتبة وطنية، فلا شك هنا، بل تحتاج الأمور إلى التعمق في ممتلكات فلسطين المعرّضة للسرقة والإتلاف، سواء بيد الغازي أو بيدنا. نحن بحاجة لمكتبة وطنية هنا، على أن نضع نسخة احتياطية لكل مخطوط وكتاب خارج فلسطين، لأنه ليس هناك ضمان بعدم تكرار ما حدث في بيروت عام 1982، والذي ما زال يحدث بأساليب أخرى؛ فعندما غزت إسرائيل لبنان، قامت بغزو فكري أكثر سوءا، حينما سرقت الممتلكات الثقافية في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت. ومن هنا، إننا أيضا مطالبون بتأمين نسخ أخرى لتحفظ في مكان آخر، لا تصل إليه يد الغزاة.
أما الخطوة الأهم فهي ما ينتظر وسائل الإعلام من جهدٍ لتعريف المواطن العادي بالفرق بين المكتبتين، العامة والوطنية، لأن بعضهم سخر من الفكرة، حين تم الإعلان عنها. ولذلك من واجب إعلام وزارة الثقافة الفلسطينية تنظيم لقاءات وعمل برامج توعية ثقافية في المدارس والجامعات عن دور المكتبة الوطنية وأهميتها، وهذا سيعطي الفرصة لكي يفرج أشخاص عما يحتفظون به من مخطوطاتٍ وكتبٍ تاريخية، وقد حول بعضهم بيوتهم إلى متاحف صغيرة، لعرض إرثهم الثقافي، فيمكن عن طريق إزالة الغمام عن مفهوم المكتبة الوطنية ضم هذه المقتنيات المتروكة بكل سخاء من أصحابها إلى المكتبة.

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.