في مسألة زياد دويري

في مسألة زياد دويري

14 سبتمبر 2017

زياد دويري وملصق فيلمه "الصدمة"

+ الخط -
لنكن واضحين في تظهير موقفٍ من مسألة (أو قضية؟) المخرج اللبناني، الفرنسي الجنسية أيضا، زياد دويري، وهي إقامته في تل أبيب نحو سنة، لتصوير فيلمٍ له، في العام 2010، واستعانته بطاقم تقني وفني إسرائيلي، وإشراكه ممثلين إسرائيليين. ومع تأكيدٍ بديهيٍّ لرفض لغة التربّص البوليسية والتحريضية التي استخدمها كاتب لبناني ضد دويري، لا تحسُن إزاحة الأنظار عن تلك القضية الأساس، بالتركيز على ممارسة هذا الكاتب في صحيفته. مع وجوب هذا الأمر، ومن أجل الوضوح المدعوّ إليه هنا، الأحقّ بأن يُنظر فيه هو الوجه القانوني، والذي يبدو أنه آلَ سياسيّا في لبنان (كما العادة؟)، وكذا الوجه الثقافي المحض، في بحث احتجاز جوازي سفر المخرج المتحدّث عنه، لدى وصوله إلى مطار بيروت، وهو المقيم في باريس، ثم التحقيق معه في المحكمة العسكرية، ساعاتٍ ثلاثا، ثم تسلّمه جوازي سفره، وعدم توجيه أي تهمةٍ إليه. وبذلك، يصير مستغربا أن تندسّ مسألة حرية التعبير والإبداع في غضون السجال في ما يخص ما فعله دويري. ببساطةٍ، لأن الأخير مواطنٌ لبناني تختص بمسألته مادةٌ معمولٌ بها في قانون العقوبات اللبناني، تعود إلى 1955. وأيضا لأنه وجيهٌ السؤال عن السبب الذي جعل السلطات اللبنانية المختصّة لا تستنطق المخرج السينمائي، في أثناء زياراتٍ سابقةٍ له إلى لبنان، بشأن صلةٍ أقامها في "أرض العدو" مع مؤسّساتٍ وأشخاصٍ إسرائيليين، ولم تفطن إلى هذا الأمر إلا الأحد الماضي، وقبيل بدء عروض فيلمٍ جديد له، وبعد ما قد يُعتبر "تنبيها" من الكاتب بيار أبي صعب إلى "تصفية الحساب" معه. ووجيهةٌ أيضا أسئلةٌ واستيضاحاتٌ تضمّنها بيان حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان، بعد انتهاء التحقيق مع زياد دويري، وإخلاء سبيله، وقد كان المذكور محقّا في قوله إن الدولة اللبنانية عاملته بأفضل معاملة، فيما تحاربه بعض الصحافة في بلده. 

من أجل ذاك الوضوح أيضا وأيضا، لم يكن لائقا، ولا مقنعا، تسخيف مثقفين وإعلاميين لبنانيين دعوة مثقفين وإعلاميين لبنانيين آخرين إلى إعمال القانون مع زياد دويري، بذريعة أن هؤلاء "ممانعون" ومناصرون للنظام الحاكم في دمشق. هذا سلوكٌ ينتسب إلى المناكفة والمكايدة، وليس إلى الجوهريّ الأهم في القضية. والظاهر أن الاصطفاف السياسي في "الانقسام" الحادث منذ أيام، في صحفٍ لبنانية، وكذا في وسائط التواصل الاجتماعي، هو الأوضح في مقاربة مسألة زياد دويري. ومن الطريف، في أثنائه، أن تُستعاد قصة "14 آذار" و"8 آذار"، وإنْ معطوفةً على الموقفيْن المعلومين من النظام السوري. وينتسب هذا كله (وغيره) إلى فلكلوريةٍ لبنانيةٍ متوطّنة، ما تنفك تتوطّد في منبتها أكثر وأكثر، وهذه "الهمروجة" شاهدٌ آخر على تعطّل الرغبة في فحص كل مستجد، بردّه إلى مظانّه الأولى، فنحن أمام قولٍ يرى أن من الطبيعي أن يذهب سينمائي لبناني، بجواز سفر فرنسي، إلى تل أبيب، ويُنجز فيها مشاهد لفيلمٍ له، لأنه لم يجد مكانا عربيا للتصوير يشبهها، وإنْ كان المنتج المنفذ والفريق التقني إسرائيليين، وبعض الممثلين إسرائيليين. ومن العادي أن يَعرض الفيلمَ مهرجانُ سينما إسرائيلي في القدس. أما إذا منعت الدول العربية عرض الفيلم بقرارٍ من جامعة الدول العربية (وإنْ بعد عرضٍ في مهرجان دبي وفوزٍ بجائزة رفيعة في مهرجان مراكش)، فذلك لا يعني شيئا أمام حقّ هذا المواطن اللبناني في أن يحلّق إبداعُه بحريةٍ في التعبير عن نفسه. وإذا طالب لبنانيون بأن يرى القانونُ في بلدهم شغله بشأن هذا المواطن، فإن الأدعى من هؤلاء أن يتخلّوا عن مساندتهم بشار الأسد.
هذا كلامٌ كاريكاتوريٌّ منقوص الاعتبار. وعلى المستوى الثقافي المحض، أيُّ جهدٍ في صيانة مفهوم التطبيع مع إسرائيل من أي عبث، وفي عدم مماشاة سامي الجميّل (مثلا) عن ضرورة أن يتمتّع الفن بالحصانة، وأن تكون في لبنان روحٌ تحمي الوجدان العربي من تسرّب الميوعة المرذولة بشأن التعامل مع مسألة الاتصال بإسرائيل ومؤسساتها، هذه أمورٌ يلزم أن يظلّ لها كل تقدير.. أما عن ذلك الفيلم (وكاتب روايته ياسمين خضرا)، موضوع القصة كلها، فالنقاش بشأنه طويل طويل.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".