خيارات حماس المستقرة

خيارات حماس المستقرة

14 سبتمبر 2017
+ الخط -
رحلة طويلة من العطاء والألم والمعاناة والتعلم في مدرسة الوطن قطعتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى أن وصلت إلى هذا المستوى من التفكير السياسي والممارسة التي باتت تحيّر محللين وكتابا كثيرين.
بعد كل مرحلة من التساؤلات والانتظار المشوّق، ها هي "حماس" تضع مزيدا من النقاط على معظم الحروف الغامضة أو المجتزأة، أو الناقصة، لتتضح للآخرين رؤية "حماس" لنفسها ودورها ورؤيتها.
لم تأل "حماس" جهدا في تبديد الغموض الذي يعتري بعض توجهاتها السياسية المرحلية أحيانا، ولم تتوانى عن تجسير الهوة بين الواقع والمأمول، مذ وضعت العصيّ في دواليب اندفاعتها الوطنية، في أعقاب فوزها في انتخابات العام 2006 وحتى اليوم، بعد ثلاث حروب دامية خاضتها مع العدو ونجحت خلالها من تحرير أكثر من ألف أسير من سجون العدو، وحتى خلال مسيرتها المشرفة لتبييض جميع سجون العدو من أسرى الحرية.
رأى كثيرون في "الوثيقة السياسية" التي صدرت عنها، أخيرا، نوعا من المراجعة والتصحيح، على الرغم من أنها كانت مجرّد تأكيد بوسيلةٍ مبتكرة على الثوابت التي انطلقت من أجلها، إلا أنّه يبدو أنّها لم تكن كافيةً لتحريك تموضع البيئة الدولية حيالها، كما توقعت قيادة "حماس".
أن تخضع أنشطة الحركة السياسية الأخيرة للحوار الداخلي، وحتى الاختلاف بين مؤيد ومتحفظ على تفاهمات الحركة مع مصر ومحمد دحلان في القاهرة، فهذا شيء طبيعي، بل وصحي ومطلوب. لذلك، لا يجب أن يحلم أحد أن تنعكس التفاعلات الخارجية بالنسبة لحركة حماس، على أوضاعها الداخلية، فصفها الداخلي تشدّه الاختلافات وتقوّي عزمه، الحوارات.
قد يتساءل بعضهم عن قدرة الحركة على ترميم علاقاتها، وبناء تحالفاتها مع المحيط العربي والإقليم، الذي يضج بالصراعات والتناقضات، وهو تساؤلٌ محق، لكن إجابته لا تعبّر عنها "حماس" بالكلام فقط، بل تترجمها إلى خطواتٍ ملموسة على الأرض.
فها هي "حماس" تتحدث، مثلا، عن استعدادها لترميم العلاقة مع سورية التي بدأت تستعيد شيئا من وحدتها وسيطرتها على الأرض، في وقت تنتظر فيه حركة حماس استجابة معقولة من النظام الحليف الأقرب إلى أقرب داعميها، وهي إيران، على قاعدة حليف صديقي حليفي، آخذين في الاعتبار أنّ "حماس" لم تترك سورية، انحيازا لطرف آخر أو حلف آخر معاد للدولة السورية، بل تركت سورية احتراما لمبادئها المنادية بالحرية لكل شعوب الأرض، ووفاءً للشعب السوري الذي احتضن مقاومتها.
صانع السياسة ومحرّك حربتها في "حماس" يدرك أنّ القضية الفلسطينية ومقاومتها التي تقود زمامها حماس تمتلك من العدالة وقوة الحق ما يجبر الجميع على خطب ودها، فضلا عن احتضانها، مهما بدت الخلافات للعيان كبيرة، لأن لفلسطين قدسية تلزم الجميع بالصفح والتجاوز.
وفي الوقت نفسه، احتفظت "حماس" بعلاقاتها مع قطر وتركيا اللتين تتفهمان موقفها وموقعها الحساس من التوازنات الدولية، ورغبتها في نسج علاقاتٍ مع جميع الأطراف، بغض النظر عن علاقة تلك الأطراف ببعضها، عملا بمبدأ ألا تنعكس الخلافات بين الدول على علاقتها بفلسطين ومقاومتها المحقة.
احتفاظ "حماس" بعلاقات طيبة ومتوازنة مع الأطراف المتنازعة لا يعني ألبتة أن تسعى حماس إلى نقل حجر الرحى من هذا الملعب إلى ذاك، أو أن تعطي "حماس" هذا الطرف حق التدخل على حساب ذاك.
في ضوء هذه التوازنات الحساسة في الميزان الدولي، وليس التناقضات كما يحلو لبعضهم تسميتها، لا يستطيع أحد أن يجبر "حماس" على حبس نفسها في صف دون آخر، أو في محور على حساب آخر.
أزمة الثقة بين "حماس" والأطراف الأخرى آخذة في التبدّد، والتلاقي مع القاهرة ومع دحلان ومن خلفه، على مبدأ تلاقي المصالح يثبت مصداقية "حماس" وثباتها إزاء ما تعهدت به أمام المصريين من عدم تدخل في الشأن المصري الداخلي، والعمل على تأمين الحدود.
وبات على الأطراف الأخرى إثبات مصداقيتها إزاء قضايا، مثل تخفيف الحصار على غزة، وصولا إلى إنهائه، عبر الفتح الكامل لمعبر رفح، وإنهاء أزمة الكهرباء، وتعزيز التبادل التجاري الذي سيعزّز الخزينة المصرية المتهالكة.
لا يدور ذلك كله بمعزل عن توّجه "حماس" إلى المصالحة بقلب مفتوح، حيث أعربت عن استعدادها لحل اللجنة الإدارية في مقابل تسلم حكومة الوفاق كامل مهامها ومسؤوليتها عن الكل في قطاع غزة، بمن فيهم موظفو حكومة غزة، وصولا إلى الانتخابات الوطنية المتزامنة وتعزيز الشراكة الوطنية في منظمة التحرير ومجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)