وقائع فشل مُعلن

وقائع فشل مُعلن

13 سبتمبر 2017
+ الخط -
مع احتمال عقد لقاء قريب بين رئيس الحكومة الإسرائيلية ورئيس السلطة الفلسطينية برعاية الرئيس الأميركي، على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الحالي، وما يتكرّر على خلفية ذلك من توقعاتٍ قويّة بشأن إمكان استئناف المفاوضات بين الجانبين، ربما يجدر التوقف سريعًا عند استنتاجاتٍ فكريةٍ لكتاب جديد صدر في الولايات المتحدة أخيرًا، عن التجربة المتراكمة لهذه المفاوضات التي تدنو من انتهاء عقدها الثالث، فهي تنطوي على ما من شأنه تعزيز الاعتقاد بأننا أمام وقائع جولة فشل مُعلنة أخرى.
الكتاب الذي قدمت وسائل إعلام إسرائيلية عرضًا له "اللغة الوحيدة التي يفهمونها.. حول احتمالات فرض تسوية في إسرائيل وفلسطين"، من تأليف الباحث نتان ترئيل، عضو طاقم "مجموعة الأزمات" في إسرائيل، وهي منظمة أبحاث دولية متخصصة في شؤون تسوية الصراعات.
أحد أبرز هذه الاستنتاجات أن فترات الهدوء في أراضي 1967 تنطوي على فرص تسوية الصراع، في حين أن فترات الانتفاضات الشعبية تُبعد هذه الفرص. في هذا الصدد، يرى المؤلف أن العام 2012 يعتبر متميزًّا في تاريخ الصراع، نظرًا إلى أنه لم يُقتل فيه أي مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية لأول مرة منذ 1973. وبموازاة ذلك، بلغ ما عُرف "مشروع بناء الدولة الفلسطينية من الأسفل" الذي قاده رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، سلام فيّاض، ذروته، وحظي بإعجاب الأسرة الدولية وبعض الأوساط الحاكمة في دولة الاحتلال.
يؤكد ترئيل أن هذه الحقائق وعداها كان من المُفترض أن تؤدي إلى حدوث اختراقٍ في العملية السياسية، لا سيما في ما يتعلق بمنطقة الضفة الغربية، لكن ما حدث هو العكس، فقد بدأ نتنياهو الذي كان أعلن تحت وطأة ضغط الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، والأسرة الدولية، قبوله مبدأ "حل الدولتين" من خلال خطاب بار إيلان الأول (2009) بتكويم العقبات أمام إمكان إقامة دولة فلسطينية، من طريق وضع شروط تؤدي إلى تجويف أي مظاهر سيادة فلسطينية، على غرار شرط الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وشرط أن تكون الدولة الفلسطينية، في حال قيامها، منزوعة السلاح، وغيرهما. واستمرت أعمال البناء في مستوطنات أراضي 1967، وبموجب معطيات حركة السلام الآن ازداد عدد المستوطنين اليهود في هذه الأراضي خلال 2012 بأكثر من 15 ألفًا. وأفادت استطلاعات الرأي العام بأن 55% من الإسرائيليين أبدوا في ذلك العام تأييدهم إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين، في حين أن هذه النسبة بلغت نحو 70% عام 2003 إبّان أوج الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كذلك لم يبادر الشارع الإسرائيلي إلى ممارسة أي ضغط على الحكومة، للجنوح نحو التسوية، وتجاهلت الحملة الانتخابية التي أدارها حزب العمل في ذلك العام، تمهيدًا للانتخابات العامة في 2013، القضية الفلسطينية كليًا، ولم ترد كلمة السلام على الإطلاق في البرنامج السياسي الذي طرحه الحزب.
في المقابل، جعلت الانتفاضات القضية الفلسطينية مُدرجة بقوة في جدول الأعمال الإسرائيلي. ويقدّم الكتاب نموذجًا لذلك الهبّة الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، والتي تسببت، برأيه، في كسر حالة الإجماع القومي بشأن حدود مدينة "القدس الموحدة" إلى درجة أن رجالاتٍ من اليمين الإسرائيلي بدأت تطرح مخططات للتخلي عن معظم الأحياء الفلسطينية في محيط القدس الشرقية.
ثمّة استنتاج آخر لا يقل أهمية هو أن أقصى غايةٍ يمكن أن تسعى دولة الاحتلال إليها من المفاوضات تتمثل بالحفاظ على "الوضع القائم" الذي لا تبقيه الوقائع الميدانية التي يتم فرضها بالقوة قائمًا.
وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، يذهب الكتاب إلى أن سياستها لا تستأنف على غاية دولة الاحتلال هذه، لأن الفائدة التي تجنيها من عدم قيام دولة فلسطينية أقل بكثير من الثمن الباهظ الذي سيترتب على قيامها بممارسة الضغط على دولة الاحتلال الحليفة لها، والأهم من ذلك ذات التأثير الكبير في الإقليم والسياسة الأميركية الداخلية.