بين سرديّة المظالم وخطاب الجور

بين سرديّة المظالم وخطاب الجور

31 اغسطس 2017
+ الخط -
أربع سنوات مرت، نراها فقط على الشاشة مكايدة مسائية في فضائيات مملوكة بشكل ما للأجهزة، أو لرجال الأعمال القريبين من السلطة، أو لعبد الفتاح السيسي نفسه، أو عبر منصات القضاء، كأحكام مضحكة وقضاة لا يستمعون لأحد، وكمّ إعدامات لم تصدر في تاريخ مصر المدني منذ أيام محمد علي. وتم محو الحقل السياسي تماماً، فلا مكان للسياسة (فنحن في حكومة حرب) وامتدت المصادرات إلى المستشفيات والمدارس ومحلات البقالة والصرافة والمقاولات، وطاولت حتى دور الرعاية الاجتماعية، وصاحب المظلمة في القفص ثابت، يبتسم بمرارة أو بتأمل أو بألم، والعالم يتفرج على مسرحية كابوسية سنوات أربع من دون أن تهتز له شعرة، وخطاب جور السلطة يزداد عنفاً، ذلك الخطاب الذي بدأ كبشارة من مفتي مصر السابق، علي جمعة، بأن "اضرب في المليان" أو "ريحتهم نتنة" أو "كلاب النار"، وما زال الرجل يمد المعركة بمزيد من السولار على النار، مع تغيير ملابسه من الشال الأخضر إلى العمامة الحمراء، والشاشات من ورائه تبث النار.
أربع سنوات وخطاب الجور مملوءٌ حتى آخره بالكراهية "انتوا شعب واحنا شعب"، أو "لن نقبل أن نتصالح معهم إلا بعد أن نكسرهم"، كما قال المحامي المتوازن جداً وعضو البرلمان المصري علاء عبد المنعم، فماذا تتوقع من غير المتوازن، مثل مرتضى منصور، أو المذيع الفالت أحمد موسى؟ وأصحاب المظالم في ثبات يردّون، من خلال قنواتهم، يردون بالمذابح التي تعدّت الأربعين، يردون من أرض الواقع، من أرض الدم، من أرض المذابح (بورسعيد، الدفاع الجوي، الحرس الجمهوري، ميدان النهضة، ميدان رابعة.. إلخ) يردون من خلال ما أريق من دم.
وصاحب خطاب الجور يهذي، ويطالب بإغلاق قناة الجزيرة أو إغلاق 150 موقعاً إلكترونياً، وصاحب المظالم وراء القضبان يبتسم في أمل أو ألم أو تأمل.
أربع سنوات نرى فيها أقدام أصحاب المظالم ثابتةً وعيونهم قريرة. أربع سنوات ودستور البلاد (دستورهم) وهو "أكمل دساتير العالم"، كما قالوا هم، معطل تماماً، والحبس الاحتياطي يمتد سنوات، على الرغم من قانون الطوارئ، وعلى الرغم من الضرب في المليان/ أو "في سويداء القلب" كما يشدد عليهم أحمد موسى في كل مساء.
أربع سنوات وأصحاب المظالم يتأملون المشهد من وراء القضبان، ابتداء من مرشد سابق عمره تعدّى التسعين إلى فتاة صغيرة تحمل "شارة رابعة".
أربع سنوات رأينا فيها سد النهضة في طريقة إلى الاكتمال، والسودان تدوّل قضية حلايب وشلاتين، وتم هدم نصف سيناء وتشريد أهلها من المسلمين والمسيحيين، وتم فيها تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية على طبق من فضة، وتوقف 50% من السياحة، وقلّت موارد قناة السويس، بعدما رمى عبد الفتاح السيسي في الرمال 68 مليار جنيه من دماء المصريين (لرفع الروح المعنوية للشعب)، مع أننا "فقرا أوووي". أربع سنوات ومازال قائد خطاب الجور وأتباعه يقولون:
"ما تسمعوش حد غيري" السيسي. "أنا عاوز دم" أحمد موسى. "الضرب في سويداء القلب" أحمد موسى. "اضرب في المليان" المفتي السابق علي جمعة. "إللي مش عاجبه أن تيران وصنافير جزيرتان سعوديتان يشرب من البحر" دكتور رفعت السعيد.
والغريب، في كل يوم، خلال هذه السنوات الأربع، أن نرى أن صاحب خطاب الجور يزداد هشاشةً وتهوراً وغضباً وحيرة وعرقاً وإفلاساً واستدانة من البنوك مع مرتبات كل شهر، وأصحاب المظالم هناك في ثباتٍ خلف القضبان يبتسمون في يقين.