أصابع خشنة تشير إلى دير الزور

أصابع خشنة تشير إلى دير الزور

31 اغسطس 2017
+ الخط -
عادت محافظة دير الزور السورية، والتي كانت تعيش حالةً من العزلة المستدامة والتعتيم الإعلامي، في السنوات القليلة الماضية، إلى دائرة الضوء، عبر الزحف من المحاور العديدة باتجاهها، وتسابق الأطراف الدولية والمحلية لتحقيق نصرٍ على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبالتالي الظفر بثاني أكبر المحافظات السورية مساحةً.
في الأثناء، قررت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، في وقتٍ متأخر، وبإصرارٍ أميركي، خوض معركة دير الزور، بعد أن كانت "قسد" قد صرّحت، في وقت سابق، أن معركة الرقة قد تدوم أشهراً إضافية، الأمر الذي فُهم منه أن معركة الرقة الطويلة قد تعرقل خطة التحالف الدولي والولايات المتحدة في التوجّه إلى آخر معاقل التنظيم في دير الزور، خصوصاً بعد فشل الولايات المتحدة في الاعتماد على المليشيات العربية التي أعلنت تنسيقها مع الولايات المتحدة، والتي كان يراد منها التوجّه صوب دير الزور، إضافة إلى انشقاق أبناء عشائر الشعيطات والبقارة من تحالف المليشيات العربية المتمركزة جنوب محافظة الحسكة، وإعلانها الانضواء تحت راية "قسد"، لتصبح الفرصة سانحةً أكثر للقوات الحكومية والمليشيات التابعة لها، ومن ورائها روسيا، للتوجه نحو المحافظة الإستراتيجية، إلّا أن إعلان "قسد" أخيراً أفسد على النظام فرص خوض المعارك بأنفاسٍ طويلة.
في ميزان الفائدة من معركة دير الزور، تطمح القوات الحكومية إلى استعادة المحافظة، أملاً بقطع الطريق على "قسد" والأميركان اللذين كانا قد عزما التوجه إليها، عقب التخلص من
"داعش" في الرقة، وبالتالي حرمانهما من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمحافظة، المتاخم للحدود العراقية التي باتت تحت سيطرة القوات الحكومية العراقية وقوات الحشد الشعبي. وبالتالي، قطع الطريق على الأميركان الراغبين في قطع طريق التواصل بين الحلف الإيراني العراقي السوري، إلى جانب السيطرة على الحقول النفطية، وأبرزها حقل العمر، شمال شرق الميادين، الذي قد يؤمن موارد مالية مهمّة للنظام السوري، إضافةً إلى بسط النظام وروسيا سيطرتهما على مساحةٍ أكبر من الأرض، الأمر الذي يحجّم من قدرات غريمه في "قسد" ومن خلفه الأميركان من فرض شروطهما اللاحقة.
على الرغم من عدم الجهوزية التي أبدتها "قسد"، وعلى الرغم من تباطؤ النظام السوري الذي يخوض معارك في البادية السورية وريف السلمية في ريف حماة الجنوبي، إلا أن الروس والأميركان أعلنا المضي في هذه المعركة، على ما يحويه الأمر من مخاطر جسيمة، جرّاء المخاوف من التماس المباشر والتحام القوتين أو حلفائهما على الأرض. وبالتالي، يأخذ السباق على دير الزور طابعاً دراماتيكياً وسريعاً، قد يفضي إلى خسائر في صفوف القوتين ("قسد" والنظام)، ما يعزز من إمكانية صمود "داعش" الذي قد يستفيد من الاندفاع الذي يقوم به الطرفان، وقد يؤدي إلى الخلل والوقوع في هفواتٍ مكلفة، جرّاء عملية التسابق والتدافع للسيطرة على المحافظة.
يبدو "داعش" هشّاً في الرقة، إلا أنه قد يكون متماسكاً أكثر في دير الزور، نتيجة لنفاذ فرصه
في الفرار إلى مناطق أخرى، فمعركة دير الزور معركته الأخيرة، يبقى بعدها أو يزول كتنظيم تسيّد البادية السورية، ومعظم أراضي المحافظات الشرقية منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام. إلى ذلك، تبدو قوات النظام والمليشيات التابعة لها، ومن أمامهم وخلفهم الطيران الحربي الروسي، في وضع صعبٍ أيضاً، إذ يعكس التقدّم البطيء لهذه القوات صعوبة المعارك التمهيدية للمعركة الكبرى، وضعف فاعلية سلاح الجو الروسي قياساً بطيران التحالف الدولي. في إزاء ذلك، لا تبدي "قسد" حماسة كبيرة لمعركة دير الزور، على عكس ما كانت تبديه قبيل بدء "حملة الرقة"، وهذا لا يعني بأي حال عدم قدرة "قسد" التوجه إلى فتح جبهة جديدة، لاسيما وأن طيران التحالف أثبت فاعليته المرجوّة، إلا أن عدم حماسة "قسد" قد يضمر خشيتها من الصدام مع قوات النظام والمليشيات التابعة لها. وبالتالي، استعداء روسيا، وهو أمر مقلق لـ"قسد"، ومضرٌّ بسياساتها الإستراتيجية في عموم الشمال السوري.
مع كلّ الحذر والحيطة التي تحرص القوتان الدوليتان توخّيها، لجهة الحؤول دون الصدام المباشر بين قوتيهما وحلفائهما على الأرض، تبقى أصابع أميركا وروسيا الخشنة مشيرةً إلى دير الزور، من دون تردد، لما يحمله النصر النهائي على التنظيم فيها من سبقٍ دولي، في ما خصّ الإجهاز على تنظيم داعش وأسطورته التي امتدت سنوات. ولكن يجب أن لا يفوتنا كذلك قول إن هذا التسابق المحموم قد يفضي، بالمحصلة، إلى شكلٍ من أشكال تقسيم دير الزور بين الروس وحليفهم (النظام) من جهة، والأميركان وحليفتهم (قسد) من جهةٍ أخرى، ولعل شكل القسمة سيكون توزيعاً بحسب ما تمليه الوقائع العسكرية على الأرض، وفي هذا تعود دير الزور إلى دائرة الضوء، لكنه ضوء القنابل والانفجارات هذه المرّة.