الرئيس السابق ترامب

الرئيس السابق ترامب

28 اغسطس 2017
+ الخط -
على خلاف توقعاتٍ بدأت قبل دخوله البيت الأبيض، تمكّن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من البقاء في منصبه سبعة أشهر. لكن أداءه الرئاسي يشي بأن تلك التوقعات التي لم تتحقق سريعاً لا تزال قائمة، وتزداد احتمالاتها سريعاً. وصار حديث الساعة في الولايات المتحدة ليس عن بقاء ترامب إلى نهاية ولايته الأولى، وإنما هل سيسقط قبل نهاية عامه الأول أم بعده. وبدأت الأنظار تتحول إلى نائبه مايكل بينس، المرشّح للمنصب حال تنحية ترامب.
نجح ترامب في الانتخابات بخطاب شعبوي، دغدغ مشاعر اﻷميركيين الذين لا تشغلهم السياسة، ويريدون التغيير والخروج من أسر النخبة السياسية التقليدية، غير أن شعبوية الخطاب التي تثير حماسة الجمهور، وتجذب انتباهه مؤقتاً، لا تعني بالضرورة انسياق الشعب وراء شعبويةٍ تتجاوز الخطاب الحماسي إلى حد التهوّر والعجرفة وإعمال منطق صاحب الملك في إدارة دولة. ولا ننسى هنا أن ترامب نجح بأصوات المجمع الانتخابي، وليس بالأصوات المباشرة، أي أنه في النهاية لم يحصل على تأييد غالبية المواطنين الأميركيين. سبب صمود ترامب سبعة أشهر أن سلبيات منهجه في التفكير والممارسة لم تستفز كل مكونات المجتمع اﻷميركي، أو بالأدق "الدولة" الأميركية، خصوصا في قطاعاتها المفتاحية.
سلوك ترامب العدواني والأهوج بدأه ضد اﻷجانب، وتحديداً المسلمين، وهو وإن كان سلوكا عنصريا، إلا أنه لم يكن كافياً لحشد إجماعٍ ضده من اﻷسابيع الأولى له في البيت اﻷبيض، فللتيارات اليمينية والنزعات التمييزية أرضية وحضور ملموس في المجتمع اﻷميركي، وهو ما أكدته أخيرا أحداث شارلوتسفي. ولعل القارئ يتذكّر أن المواقف الشعبية الرافضة قرارات ترامب حظر دخول مواطني بضع دول إسلامية لم تكن بقوة رفض المؤسسات الأميركية الرسمية، خصوصاً القضاء.
طاولت المرحلة الثانية من اندفاعات ترامب المحيطين به، وكبار العاملين في الفريق الرئاسي. وهي مرحلة لم تثر اهتمام المواطنين الأميركيين بقدر ما استفزّت أعضاء الحزب الجمهوري، وتلقفتها وسائل الإعلام التي وجدت ضالتها في أداء عشوائي، وتصرفات عصبية، من رئيس مثير للجدل. وقد يكون تخلص ترامب من معظم فريقه المعاون أكبر أخطائه وأكثرها خطورة على رئاسته. لكنها أيضا من نوعية الأخطاء التي لا تظهر نتائجها سريعا، ولا تسبب ردود أفعال واسعة على المستوى الشعبي.
وسط كل هذه الأخطاء واﻻرتباكات، نجح ترامب في تحييد أحد أخطر مكونات الدولة اﻷميركية وأهمها، وهو المجمع الصناعي العسكري الذي يمثل حجر زاويةٍ، ليس فقط في بوصلة السياسة الخارجية اﻷميركية، لكن أيضا في تيسير الأجواء أو تعكيرها أمام الرئيس القابع في البيت الأبيض. بالنفوذ الواسع له داخل الكونغرس ووسائل الإعلام، والتأثير المباشر على مصالح معيشة عشرات الآلاف من الأميركيين العاملين في هذا القطاع ومعيشتهم.
ما فعله ترامب ببساطة هو استرضاء، أو بعبارة أكثر صراحة شراء سكوت إمبراطورية الصناعات العسكرية عن تصرفاته. وذلك بإبرامه عدة صفقات سلاح بمئات مليارات الدولارات، بما يعنيه ذلك من تأمين آلاف الوظائف للعاملين في تلك الصناعات، ومكاسب هائلة للقائمين عليها. لكن كارثة ترامب الحقيقية تبدأ من هذا الإنجاز نفسه، فقد أبرم الصفقات وانتهى الأمر. بينما كوارثه وأخطاؤه لا تنتهي، وتتجدد يومياً، وبعد أن كان مساعدوه يرشدون عشوائيته، ويلجمون اندفاعاته ولو جزئياً، فبعد أن تساقطوا واحداً تلو الآخر، لم يعد له كابحٌ ولا ناصح. إذ لم يبق له من دائرته الضيقة سوى جاريد كوشنير زوج ابنته. وحيث لم يلتقط ترامب إشارات الخطر المحدق به، بدءاً برفض مؤسسات الدولة قراراته العنصرية، ثم فتح تحقيق موسع في اتصالات أعضاء حملته الانتخابية بروسيا، ثم سقوط سياجه الحامي له من نفسه، بتفكّك طاقمه الرئاسي. فمعنى ذلك أن انهيار رئاسة ترامب لم يعد محل شك، وأن انتقال مايك بينس إلى مقعد الرئاسة صار قريبا أو قريباً جداً.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.