أطروحة سيئة السمعة

أطروحة سيئة السمعة

26 اغسطس 2017

احتجاجات الحسيمة... مرآة لازدواجية النخب والأحزاب المغربية (20/7/2017/الأناضول)

+ الخط -
في سياق التفاعل في المغرب مع دينامية "حراك الريف" وأسئلته، كان مراقبون قد انتبهوا إلى أن "المركّب" الإعلامي/ السياسي/ المدني الذي تكفل، خلال الولاية الحكومية السابقة، بمواجهة رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران وتجربته الحكومية، بعيداً عن أدنى شروط الموضوعية، وبتحامل إيديولوجي فج، وبتماهٍ واعٍ و"مرتب" مع قوى الارتداد السلطوي، انتبه المراقبون إلى أن هذا "المركّب" هو نفسه الذي يقود، منذ عشرة شهور، معركته المقدّسة الجديدة ضد الحركة الاحتجاجية في الريف. الأمر الذي يكشف وحده زيف كل الشعارات المفضوحة للموقف المتهافت لهذا "المركب"، ويجعله ليس جديراً حتى بأن يوصف مجرّد معارضةٍ بخلفية إيديولوجية حادة، ذلك أن الانتقال من معاداة الإسلاميين، التي قد تكون مفهومة موقفاً ثقافياً مستقلاً عن رهانات السلطة، إلى معاداة الاحتجاج الاجتماعي، ما يسقط على هذه (الأطروحة) أبسط مقومات المصداقية السياسية والنزاهة الفكرية، ويجعلها مجرد تنويع على خطاب السلطوية.
وفي العمق، تصبح هذه (الأطروحة) تعبيراً عن موقف عدمي من المجتمع، يبحث لنفسه على الدوام على حجج لاستعداء كل الديناميات والشرعيات الصاعدة من المجتمع. حيث تعتبر، في عمق تحليلها وحججها، المجتمع محافظاً ومتخلفاً عن النخب العصرية والدولة "الحداثية"، عندما يمنح أصواته إلى إسلاميين محافظين، تم تعود لتعتبره متمرداً وغوغائياً، عندما يعبر عن مطالبه، وعن ذاته، بواسطة الحركات الاجتماعية والاحتجاجية السلمية.
تقدم (الأطروحة) نفسها مساهمةً موضوعيةً في النقاش العام، تحتفظ لنفسها بمسافة مع ما ينتجه المجتمع. لذلك، هي ترتدي جبّة الموقف الثقافي النقدي الذي لا يجامل الجماهير، كما لا يغازل الناخبين، لكنها لا تبدي الموضوعية نفسها كلما تعلق الأمر بالدولة، ويبدو حسّها النقدي في الدرجة الصفر، عندما يتعلق الأمر بسياسات رسمية، وتكاد تتحول، بكل حمولتها النقدية الكاذبة، إلى أطروحة "مقدّسة" للسلطة على الدوام.
تقدم (الأطروحة) نفسها موقفاً نقدياً من الإسلام السياسي، بدعوى الانتماء إلى مشروع الحداثة، تم تقدم نفسها بعد ذلك موقفاً نقدياً من حداثة "اليسار"، بدعوى الانتماء إلى منطق الخصوصية. تقدم نفسها موقفاً نقدياً من الاحتجاج، بدعوى الانتماء إلى ثقافة الإصلاح، تم تقدم نفسها بعد ذلك موقفاً نقدياً من الإصلاح السياسي، بدعوى التدرج وعدم جاهزية النخب. لذلك هي، في العمق، ليست سوى تعبير عن إيديولوجيا احتقار المجتمع، والتشكيك في مختلف تعبيراته، في مقابل استبطان خاطئ لفكرة تفوّق السلطة، ينطلق من مقابلة مانوية جامدة ولا تاريخية، تربط الدولة بالعقل والتحديث، وتربط المجتمع بالفوضوية والتخلف.
في خلفية هذه (الأطروحة) التي نعثر على أفكارها موزعةً على كتّاب افتتاحيات، ومحللين، وفاعلين سياسيين، ونشطاء مدنيين، نجد معالم من ثقافة سياسية تقدّم نفسها أساساً في خدمة السلطوية، قبل أن تبحث عن حجج لذلك، سواء تعلق الأمر بحجج من سجل الأيديولوجيا، وتحت سقف شعار مزيف ليس سوى "الحداثة"، أو بحجج من سجل "السياسة"، وتحت سقف شعار الاستقرار .. المزيف.
لذلك تسقط هذه (الأطروحة) في الاختبار المنهجي الأول لمقولاتها ومخرجاتها، عندما تبدو منشغلةً بهاجس التبرير، وعندما تبتعد عن "مبدئية "الموقف السياسي.
كما كان، أمس، بإمكان الديمقراطيين انتقاد بنكيران ومعارضته، على أرضية السياسات أو الرؤية والمشروع، من دون السقوط في فخ إضعافه باسم السلطوية التي تحتقر كل شرعية صاعدة من أسفل، بغض النظر عن ألوانها وهويتها، فبإمكانهم اليوم انتقاد "حراك الريف" بلا تبجيل وتقديس، من دون السقوط في فخ الدفاع عن القمع والاعتقالات والمعالجات التخوينية والأمنية.. من دون ذلك، فهم مهدّدون بالسقوط في مستنقع (الأطروحة) سيئة السمعة.

2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي