ترامب وبيونغ يانغ

ترامب وبيونغ يانغ

21 اغسطس 2017
+ الخط -
عندما كانت الولايات المتحدة الأميركية تتهيأ لغزو العراق، متهمة نظام صدام حسين بامتلاك أسلحة نووية، أو ما اصطلح عليها بصيغة أخرى بأسلحة الدمار الشامل، كانت تعلم بالمطلق أنّ الرجل لا يمتلك هذه الأسلحة، وأنّ كل ما يمتلكه أسلحة عادية كالتي تمتلكها باقي دول العالم الثالث، لاعتبارين أساسيين، الأول أنّ أميركا هي من تبيعه الأسلحة، وهي بذلك على علم بنوع وقيمة وأهمية الأسلحة التي بحوزته، والثاني، أنّها لو كانت تعلم أنّ العراق يمتلك النووي، لما فكرت أصلاً في غزوه، وهو ما يفيد بأنّ لهذا الغزو خلفيات أخرى، مغايرة للمعلن عنه.
والدليل على ذلك أنّ الإدارة الأميركية ظلّت عقودا تتوّعد وتهدّد النظام الكوري الشمالي بالتدخل العسكري، من دون أن تجرؤ على فعل ذلك، أو حتى التلويح به، انطلاقاً من قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة، وكلّ ما تستطيع فعله هو فرض العقوبات تلو العقوبات، وعزل بيونغ يانغ سياسياً، والسبب أنها، هذه المرة، تعلم أنّ في حوزة كوريا الشمالية فعلا أسلحة نووية قادرة على تدمير قارة بأكملها، وليس منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يوجد شركاؤها الاستراتجيون فقط.
بل إنّ من يهدّد ويتوّعد الآخر هو بيونغ يانغ، وليس أميركا، مثل ما فعلت يوم 25 يوليو/ تموز 2017 حين هدّدت في بيان رسمي بتوجيه ضربة نووية إلى قلب الولايات المتحدة الأميركية، إذا حاولت الأخيرة المساس بالقيادة العليا في كوريا الشمالية، ونقلت وكالة الأنباء المركزية في كوريا الشمالية عن وزارة الخارجية في البلاد تعليقات على تصريحات لمايك بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) الذي سبق له أن تحدث عن إمكانية تغيير النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وعزل "شخص قد تكون لديه نوايا نووية".
وجاء في البيان أنه "في حال تهديد الكرامة العليا كوريا الشمالية"، على بيونغ يانغ أن تبادر إلى إبادة "تلك الدول والكيانات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر"، مؤكدة أنها ستعتمد كل وسائل الهجوم المتوفرة لديها، بما فيها الأسلحة النووية.
ومثل ما فعلت أيضا حينما حذرت يوم 15 أبريل/نيسان 2017، الولايات المتحدة مما وصفته بالهستيريا العسكرية، مهدّدة إياها بمواجهة مسلحة، بالتزامن مع توّجه مجموعة قتالية لحاملة طائرات أميركية صوب المنطقة، تحسبا لإجراء بيونغ يانغ اختباراً نووياً سادساً.
وقال متحدث باسم هيئة الأركان العامة للجيش الكوري: إنّ "كلّ التحركات الاستفزازية للولايات المتحدة في المجالين الاقتصادي والعسكري، والتي تطابق سياستها المعادية لكوريا الشمالية سيتم إحباطها تماماً من خلال أشدّ رد فعل مضاد لجيش وشعب جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية"، ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، عن المتحدث، أنّ "أشد رد فعل مضاد من جانبنا ضد أميركا والقوى التابعة لها سيتم بأسلوب لا يعرف الرحمة بحيث لا تترك فرصة للمعتدين للنجاة".
يحدث ذلك في وقت يعتبر فيه نظام بيونغ يانغ من أكبر المنتهكين للقيم الكونية لحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، بحيث يستدعي هذا النظام، وفي أقرب وقت ممكن، تدخلاً عسكرياً أممياً، حتى ولو لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل، من أجل حماية الشعب الكوري الشمالي من هذه الانتهاكات.
ومن هذه الانتهاكات القرارات الغريبة التي يتخذها زعيمها الشاب كيم جونغ أون، الذي تولى الزعامة سنة 2011 بعد وفاة والده كيم جونغ إل، والذي صار بعدها مصدر رعب لأبناء شعبه، فهم يطبّقون هذه القرارات الغريبة، خوفا من عقوباته الأغرب التي تصل إلى حد الإعدام، وبأشكال مختلفة ومتنوعة.
ومن ذلك اعتماده قصة شعر غريبة، وجعل حاجبيه أقصر من السابق، إذ أصدر مرسوما يفرض على الرجال أن يسيروا على غرار قصة شعره، وأطلق على القصة "قصة شعر الطموح"، وحدّد للمواطنين 28 قصة شعر مسموح لهم بالاختيار بينها وعدم الخروج عنها، كما اعتمد أنواعا غريبة من الإعدامات، فهو يأمر بإعدام كل من يعكّر صفو مزاجه، أو يتصرف بسلوك يتسبّب بإغضابه، وصار مؤكدا أنّ لا أحد يمكن أن ينجو من عقوبة الإعدام، وإن كان من ذوي القربى، خصوصا بعد أن أمر بإعدام عمه وزوج عمته ووزيره في الدفاع، ومسؤولين كبار في الدولة، وبوسائل مختلفة، ولأسباب مضحكة أحيانا.
فمثلا السبب الذي استحق وزير الدفاع هيون يونغ تشول، من أجله الإعدام بواسطة صاروخ مضاد للطائرات أدى إلى تفتيت جسده وليس فقط قتله، هو نومه خلال عرض عسكري حضره الزعيم، وهو السبب نفسه الذي من أجله تم إعدام وزير التربية والتعليم، لأنه غلبه النعاس وربما النوم، خلال اجتماع رسمي.
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)