الإسلاموفوبيا.. وجه آخر

الإسلاموفوبيا.. وجه آخر

21 اغسطس 2017
+ الخط -
تعرف المجتمعات الغربية نمواً مستمراً لظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث بلغت نسبة الجرائم ضد المسلمين معدلات قياسية. ولعل التفسير الأكثر سهولة لهذا العداء ربطه بالهجمات الإرهابية التي عرفتها أميركا وأوروبا منذ 11 سبتمبر في 2001، كهجوم ماراثون بوسطن (2013)، وتفجيرات مدريد (2004)، هجمات لندن ( 2011)، هجمات تشارلي ايبدو ( 2014)، ثم هجمات باريس (2015). كلّ هذه الهجمات الإرهابية نفذّها أفراد أو تنظيمات محسوبة على الإسلام، ولا يمكن إنكار مساهمتها بشكل مباشر في إذكاء مشاعر الكراهية ضد المسلمين في الغرب، لكن هذا ليس سوى جانب من الصورة.
يلعب سياسيو اليمين الشعبوي، من أمثال دونالد ترامب وماري لوبان، دورا أساسيا في تغذية خطاب الكراهية والعنصرية ضد المسلمين، بالتركيزعلى ما يسمّى "الإرهاب الإسلامي"، عبر خطاب عاطفي عنصري موجه ضد المهاجرين العرب، والمسلمين خصوصا، لكنه يفتقر لأي معلومات أو أرقام تدعمه، فلطالما تحدث ترامب في خطاباته الإنتخابية عن "استعادة أمن أميركا"، وربط ذلك بحظر الإسلام في بلاده وفرض قيود على دخول المهاجرين، متناسيا أنّ ما يقتل ثلاثين أميركيا كل يوم هي فوضى الأسلحة النارية وليس المسلمون.
وبالفعل، جعلت عودة اليمين المتطرف لتصدّرالمشهد السياسي في أميركا جرائم الكراهية عام 2015 ترتفع بنسبة 67%، بالمقارنة مع العام الذي قبله، حيث بلغ عدد الجرائم 5850 جريمة حسب تقرير لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI نشرته صحيفة نيويورك تايمز. وفي أوروبا، أكد تقرير صادر عن "مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان"، التابع لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي لعام 2015 أيضا، ارتفاع جرائم الكراهية والإعتداء ضد المسلمين بنسب مقلقة وغير مسبوقة، حيث بلغ عددها 7000 جريمة، منها 581 جريمة في انجلترا وويلز، 2447 في ألمانيا، وارتفعت جرائم الكراهية في فرنسا ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2014 حيث بلغت 460 جريمة، وسجل التقرير كذلك 439 جريمة في هولندا، 369 في السويد، 85 في النمسا، 41 بالدانمارك، و 20 جريمة ببلجيكا.
أما الإعلام الغربي فلا يقل تحريضاً وتلاعباً، فعبارات مثل "شاب مسلم بملامح عربية" أو "الإرهابي نطق كلمات باللغة العربية"، تتكرّر في القنوات التلفزيونية والصحف بكثرة، مما رسخ تصوّرا في المجتمعات الغربية يربط الإرهاب حتى بلغة معينة. مثلا تم إجبار أشخاص على مغادرة طائرات كانوا مسافرين على متنها لمجرّد قولهم كلمات عربية من قبيل "السلام عليكم"، وبرّرت شركات الطيران ذلك بعدم شعور المسافرين بالأمان.
يحاول الإعلام الغربي على غرار الأحزاب اليمينية المتطرّفة بشكل حثيث وممنهج، إيهام المواطن الأوروبي والأميركي بأنّ المسلمين وراء كل الأحداث الإرهابية في بلدانهم، ولترسيخ هذه القناعة كانت الهجمات المرتبطة بالمسلمين تحظى بتغطية إعلامية واسعة، وإسهاب شديد في تداول المعلومات وتحليلها من خبراء يحتلون شاشات التلفزيون، وصفحات الصحف عدّة أيام. لكن هذا تضليل للرأي العام، ففي أوروبا مثلا لاحظت وكالة إنفاذ القانون في الإتحاد الأوروبي (يوروبول) في تقريرها لعام 2013، أنّه من بين 152 هجوماً إرهابيا في أوروبا، كان الدافع الديني وراء اثنين منها فقط، مقابل 84 عملية إرهابية بسبب المعتقدات العرقية أو القومية أو الإنفصالية. مثلا جماعة يسارية متطرفة في اليونان تسمى "القوات الثورية الشعبية" تبنت عملية قتل فيها اثنين من أعضاء حزب "الفجر الذهبي" اليميني. كذلك تبنت جماعة FLNC الإنفصالية الفرنسية بجزيرة كورسيكا هجمات صاروخية متزامنة على مراكز شرطة. أما في إيطاليا، فقد نفذت مجموعة FAI عدة هجمات إرهابية منها اغتيال صحفي بقنبلة. فهل غطى الإعلام هذه الهجمات؟ هل نعرف عنها شيئا؟
لا يغطي الإعلام الغربي سوى الهجمات التي ينفذها مسلمون، ويتجاهل الباقي متعمدا، أي أنّ الإعلام يقول لمواطنيه "المسلمون هم المصدر الوحيد للإرهاب.. العالم سيكون أفضل بدونهم.. فليرحلوا". أما السياسيون فمستمرون في تحميل المهاجرين المسؤولية عن كل ما تعانيه بلدانهم من مشاكل اقتصادية واجتماعية، هي في الأصل نتيجة أنظمتها الإقتصادية وصراعها حول النفوذ، لتتحول شعوب بأكملها إلى لاجئين كما شاهدنا في سورية.
بالنتيجة، يجد المسلمون أنفسهم في تقاطع النيران بين جماعات إرهابية، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية التي ترهبهم في بلدانهم، وجماعات الكراهية الغربية التي توظف بروباغندا الإرهاب لمعاقبة كلّ المسلمين، وتجند كل إمكاناتها لفرض حظر شامل عليهم. فإن كان العالم لا يقبل أن يكون الأبرياء ضحايا للإرهاب، فكيف يقبل لملايين المسلمين الأبرياء أيضا أن يكونوا ضحايا للكراهية؟
A3C545D6-53A9-46CA-BDF7-C356F36D0612
A3C545D6-53A9-46CA-BDF7-C356F36D0612
هشام العين (المغرب)
هشام العين (المغرب)