في انتظار خطاب ملكي

في انتظار خطاب ملكي

20 اغسطس 2017
+ الخط -
في خطابه، أخيرا، بمناسبة الذكرى 18 لتوليه العرش، أرسل الملك محمد السادس رسائل كثيرة يجب الوقوف عندها ومحاولة وضعها في سياقها المناسب، بدت في بعضها غامضة، وتحتاج إلى تفكيك جزئياتها حتى نستوعبها، وكانت في بعضها الآخر واضحة جدا ولا تحتاج لتأويل، ومن هذه الرسائل الواضحة قوله: "وعلى كل مسؤول أن يمارس صلاحياته من دون انتظار الإذن من أحد. وعوض أن يبرّر عجزه بترديد أسطوانة "يمنعونني من القيام بعملي"، فالأجدر به أن يقدم استقالته التي لا يمنعه منها أحد". الكلام واضح، لا نحتاج لتفكيكه ولا لتأويله، هو فقط يحتاج ليتفاعل معه المعنيون بالأمر .
لم يستقل أحد إلى الآن. أما عن استقالة إلياس العماري، من أمانة حزب العدالة والمعاصرة، فنقول ونصرّ على أنها لم تكن نتيجة تجاوب فعلي مع خطاب الملك، بل كانت أمرا واقعاً حتى قبل الخطاب، أقصد أنّ استقالته كانت ضرورة تداخلت في فرضها مجموعة من العوامل، أولها خسارة الحزب في الانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وليس آخرها تخلي الذين راهنوا عليه من أجل إسقاط الحزب.
السيء في الأمر ليس عدم تقديم زعماء أحزاب مغربية وغيرهم من المسؤولين الفاشلين استقالاتهم، بل أن يخرج محللون سياسيون، من أساتذة جامعيين و"مفكرين" وكتاب ليكرّروا بنوع من اليقين أنّ الحل لكل ما يحدث في المغرب من قلاقل يكمن في إعفاء حكومة سعد الدين العثماني، واللجوء إلى حكومة وحدة وطنية، تتزعمها كفاءات وطنية، لا خلفية إيديولوجية لها وقادرة على التدبير المحكم لشؤون البلاد .
هذه القراءة السطحية للواقع السياسي المغربي غير بريئة بالمطلق، وغير مستقلة بالمطلق، بل هي جزء من رغبة الدولة التي ما زالت ترى في رئاسة "العدالة والتنمية" الحكومة خطأ يجب تصحيحه، حتى وإن كان الواقع يقول إنّ وجود هذا الحزب صوري، ولا تأثير له عما تريده الدولة، ما يؤكد ما قلناه وقاله غيرنا مباشرة بعد إعفاءعبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، إذ قلنا حينها أنّ هذا الإعفاء مجرد بداية، لأن الدولة لا ترغب في التخلص من بنكيران فقط، بل ستسعى إلى أن تتخلص من الحزب ككل، لأن وجوده يزعجها، على الرغم من تحكمها فيه وقدرتها على توجيهه بالطريقة التي تشاء، إلا أنّه اتضح أنّ قاعدته الشعبية الواسعة ستظل دائما كابوسا مؤرقا للدولة، ما دامت عاجزة على إحداث الانشقاق داخله (الحزب).
نعود ونؤكد القول إنّ إقالة حكومة العثماني أو الضغط عليه لتقديم استقالته ليس الحل، وليس الحل أيضا في حكومة يقودها التكنوقراط، لأنه إن حدث هذا فسنكون أمام حقيقة اسمها "الانقلاب". الانقلاب على الشرعية، الانقلاب على ما جاء به الدستور، والانقلاب على اختيارات الناخبين للمرة الثانية في ظرف ستة أشهر.
قد لا أكون بالخبرة الكافية لأشير إلى الحل، أو أقترح حلا للواقع المغربي المتوتر، إلا أن أي مغربي لو سئل عن الحل فسيقول إنّه في كشف ملفات المفسدين ومحاسبتهم بعينهم، ليس بالإقالة أو الإعفاء وإنما بالسجن. فربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي الجدية والصرامة بعيداً عن المحاباة، لذلك فالتفاعل الإيجابي مع خطاب الملك كشف المسؤولين عن مقتل محسن فكري، وعن مقتل عماد العتابي، ويعني أيضا الكشف عما حدث في مشروع منارة المتوسط، وعما حدث لمستشفى السرطان الذي أقيم في مدينة الحسيمة سنة 2004.
لا أقول أن هذا كل ما يجب الكشف عليه، أو أن مشكلات المغرب تختزل في هذا، ولكن هذه بعض النقاط المستعجلة التي يمكن أن تهدئ من التوتر الحالي. وطبعا من دون أن ننسى إطلاق سراح جميع معتقلي الحراك، بما فيهم ناصر الزفزافي (رمز الحراك).
وفي انتظار الخطاب الملكي التالي، نذكر بأنّه إن تمت إقالة حكومة العثماني سنكون أمام حقيقة مشابهة لما وقع في مصر "الانقلاب على الشرعية"، فإصلاح الخطأ بالخطأ خطأ.
المساتي
المساتي
عبد السلام المساتي
خريج الدراسات الإنجليزية وأستاذ للغة الإنجليزية في المغرب. صدر له "مغرب ما بعد الربيع العربي، من ابن كيران إلى كورونا"، ورواية " كاتب ونساء وعبث" و"خواطر الثامنة مساء"، ومجموعة قصصية بعنوان "الهزيمة". دائما ما أقول " الناس، أحدهم يلقي بك لتحترق وسط جحيمه، وآخر يرفعك لتسعد وسط نعيمه، وآخر لا يراك، لا تهمه. لذا كن من تشاء".
عبد السلام المساتي