الإرهاب في برّ مصر

الإرهاب في برّ مصر

09 يوليو 2017
+ الخط -
تعرّضت مصر، أول من أمس الجمعة، إلى عملية إرهابية كبيرة في مدينة رفح، في محافظة شمال سيناء، على يد تنظيم داعش الإجرامي (ولاية سيناء)، سقط من جرائها أكثر من 20 عسكريّاً من جيش مصر، حسب الرواية الرسمية، وما يتجاوز الـ60 وفق رواية "داعش" الذي تبنى العملية، وهي الأولى من نوعها بهذا الحجم والتخطيط والأضرار منذ عدة أشهر، الأمر الذي يعاكس الرأي السائد أن الدولة المصرية نجحت إلى حد كبير في هزيمة أوكار الإرهاب في سيناء.
يظهر من هذه العملية أن يد الإرهاب لا تزال طويلة، وأمام مصر طريقٌ صعبٌ لا بد أن تقطعه قبل أن يستشري هذا الطاعون المخيف، كما كان عليه الحال في العراق، حيث بدأ "داعش" باحتلال مدينة الموصل قبل ثلاث سنوات، وتمركز فيها، ومنها أخذ يتمدّد حتى وصل إلى فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، وبريطانيا.
كلفت عملية هزيمة "داعش" في الموصل الكثير على صعيد الدمار في العمران والضحايا في صفوف الأهالي والقوات العراقية، واستدعت دعماً أميركيّاً وفرنسيّاً، واستمرت قرابة تسعة أشهر، ولا تزال ذيولها متواصلة. يحاول "داعش" من سيناء أن يكرّر سيناريو الموصل، كي يتمدّد إلى باقي أرجاء مصر، ولكن الدولة المصرية حالت دون ذلك، حتى الآن، وليست هناك مؤشراتٌ قويةٌ إلى تكرار سيناريو الموصل في سيناء، إلا أنه، في ظل دولة شبه فاشلة في مصر، وممارسات قاسية من أجهزتها في سيناء ضد السكان، بالاضافة إلى رمال متحرّكة في ليبيا؛ لا يمكن استبعاد سيناريوهات من هذا القبيل.
إلى ذلك، ليس الإرهاب الذي تتعرّض له مصر موجّهاً ضد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كما يحاول بعضهم أن يصوّر، ومن يدفع الثمن هم أهل مصر. جنود مصر ليسوا موجودين لحراسة السيسي. الجيش والأمن كانا موجودين قبل وصول السيسي إلى الحكم، وسيبقيان بعد رحيله. وكل من يربط العمليات الإرهابية التي تحصل في مصر بإضعاف النظام يحقق له خدمة، بدلاً من أن يضرّه؛ لأنه يوفر له ذريعةً كي يتنصّل من الاستحقاقات المترتبة عليه كنظام حكم منذ أربع سنوات، تاريخِ اغتصابه السلطة الشرعية من الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهذا أمر لا يحتاج إلى براهين وحسابات، فباسم محاربة الإرهاب، يكاد السيسي يقلب مصر سافلها عاليها، ويقود المنطقة العربية إلى حروبٍ عبثيةٍ، كي يبرّر فشله، ويطيل عمر نظامه.
المواجهة مع الإرهاب مسؤولية الجميع، وهي واجبٌ يقوم به الجميع، ليس من أجل حاكم مصر؛ بل من أجل حياة حرة للمصريين بعيداً عن الخوف، وللعمل على بناء مصر الجديدة التي هتفت من أجلها جماهير 25 يناير، وهذا يتطلب أن يبادر الحكم الحالي إلى تطبيع الحياة السياسية كشرط ضروري وأساسي، يسبق استنفار مصر في مواجهة الإرهاب، فالمواجهة ليست أمنية فقط، بل سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، وتتطلب وحدة المصريين وتماسكهم، فلم يعرف التاريخ أن بلداً ربح معركة تحدٍّ كبيرة وهو منقسم ومتناحر، ويتحمل النظام مسؤولية القيام بمصالحة داخلية بلا غالب ولا مغلوب.
يعيش العالم العربي اليوم مرحلةً هي الأصعب في تاريخه الحديث، وتتحمّل مصر مسؤولية أساسية في وقف التدهور الحاصل، فهي الرافعة العربية الأولى التي من دونها لن يقف العالم العربي على قدميه، ولن يرفع رأسه عالياً باتجاه الشمس. وبالقدر الذي ننتظر من مصر أن تصحو من هذا الكابوس؛ لا يمكن أن نعفي العرب من مسؤوليتهم تجاه مصر التي تحتاج وقفة عربية، كي تنتصر على الإرهاب، وتحقق الديموقراطية والتنمية الاقتصادية.
مساعدة مصر لا تعني بأي حال تعزيز النظام، وترك أهل مصر؛ مثلما أن معارضة النظام لا تبيح غضّ الطرف عن إرهاب "داعش".
1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
The website encountered an unexpected error. Please try again later.