عنصرية صفراء في "سويسرا الشرق"

عنصرية صفراء في "سويسرا الشرق"

08 يوليو 2017
+ الخط -
بين عامي 2010 و2013 قامت فرنسا إبان عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بترحيل نحو عشرين ألف غجري يحملون الجنسية الرومانية أو البلغارية. لقي هذا القرار سخط منظماتٍ وأحزابٍ فرنسية، وتنديداً شديداً من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. مُنح المرحّلون مهلة زمنية، وصُرفت لهم تعويضات مالية، وجرى التنسيق مع بوخارست وصوفيا بشأنهم، وحيث الحياة هادئة وطبيعية في هذين البلدين في شرق أوروبا. في العام 2014، جرى التراجع عن هذه السياسة الخرقاء التي طاولت من يحملون جنسياتٍ أوروبية، ثم جرى تحسين أوضاع الباقين، وبالذات تأمين مساكن لائقة لهم، بدلاً من الأكواخ والعشوائيات. علماً أن عدد الغجر يناهز مليون نسمة، أغلبهم يحملون الجنسية الفرنسية.

يستذكر المرء تلك الواقعة، وهو يتابع ما يجري بحق اللاجئين السوريين في لبنان من تنكيل، ومن استفراد بهم، من دون أن يتمتعوا بأية حماية أو ضماناتٍ من أي نوع.. إذ لم تكتف السلطات هناك بتعريضهم لحملةٍ عنصريةٍ ضدهم، والتضييق عليهم بمختلف الأشكال، حتى بلغ الأمر تعريض ثلاثة مخيمات للحرق بعد عملية مداهمةٍ قام بها الجيش اللبناني، تم خلالها إذلال رجال المخيم، واعتقال 400 رجل، والشبهة وجود إرهابيين. وهي تهمةُ تلاحق هؤلاء، كون أغلبيتهم مسلمين، ينتمون للطائفة السّنية، الطائفة الأكبر حجماً في سورية. يستجيب تشريد اللاجئين وتحويل حياتهم جحيماً لمطالب، عبّر عنها حزب الله بضرورة عودة هؤلاء إلى بلدهم. وهو مطلبٌ غريب، فاللاجئون يعودون عادة حين تنتهي الحروب والصراعات في مواطنهم، وحين يتأمن لهم الحد الأدنى من الأمان، وتتولى منظماتٌ دولية تابعة للأمم المتحدة الرعاية المؤقتة لشؤونهم. وواقع الأمر أن مطلب إعادة اللاجئين بالقوة يأتي لتكريس واقع الكراهية حيال هؤلاء المنكوبين، ولم ينقطع "حزب المقاومة" عن بث المشاعر السلبية إزاءهم، ونعتهم بالإرهاب والتكفير، وهذه هي طريقة حلف الممانعة في تحويل الضحايا متهمين، وفي مسخ الحقائق، وإبراء ذمة من تسبّبوا لهم بالكارثة. ومن جهة أخرى، فإن حزب الله موجود بعديده وعتاده وراياته الصفراء على الأرض السورية، ومن وراء ظهر الشعبين، السوري واللبناني. ومع ذلك، لم يعرض الحزب من باب المعاملة بالمثل أن يخرج من سورية مقابل خروج اللاجئين السوريين من لبنان الأخضر.
من المفارقات أنه في الوقت الذي رفع فيه حزب الله علناً مطلب ترحيل اللاجئين، كان الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، يلوّح بأنه قد يستقدم مليشياتٍ من الخارج إلى لبنان، 
لمساندة الحزب في مواجهة أي عدوان إسرائيلي. وهو ما أثار وزير الداخلية، نهاد المشنوق، الذي أصدر بياناً يندّد فيه بمثل هذا التفكير، الخارج عن رؤية الدولة اللبنانية. أما إحراق المخيمات فهو سلوكٌ لا نظير له سوى في بعض دول إفريقيا، حيث تتخذ الصراعات السياسية على السلطة هناك طابع النزاع الأهلي والقبلي، وحيث يغيب القانون، وكذا اعتبارات حقوق الإنسان، غياباً تاماً. وكان يفترض أن الثقافة المجتمعية وقوانين الدولة في "سويسرا الشرق" تختلف قليلاً عما يجري في بعض مجاهل القارة السمراء. لقد مرّت جرائم إحراق المخيمات كما يمر أي نزق فردي أو جنحة فردية. وباستثناء مواقف شجاعة لمنظمات لبنانية لحقوق الإنسان (ولوزير حقوق الإنسان يحيى شقير) التي اتخذت موقفاً مندّداً بهذه الأحداث، وما تلاها من اعتقالات ووفيات تحت التعذيب في السجون، فإن السياسيين اللبنانيين لم يستوقفهم ما جرى، إذ اعتبروا أن الأولوية هي لدعم الجيش، وليس للتأسّي على فظائع تُرتكب باسم محاربة إرهابٍ مزعوم ضد بشرٍ منكوبين، هم الأقرب تاريخياً وجغرافياً وديمغرافياً إلى اللبنانيين. لكن ما يُسمَّى "التوازن الطائفي" يجيز غضّ النظر عن الارتكابات المشينة بحق السوريين، فلا التيار الوطني الحر، ولا حزب الله، يرتضي القبول المؤقت بوجود لاجئين ينتمون لطائفةٍ بعينها. وكانت الحكومات اللبنانية قد رفضت منح صفة اللجوء للسوريين الهاربين من جحيم بلادهم، خشية أن تترتب أية مقتضيات قانونية على اللجوء، كحمايتهم أو تقديم مساعداتٍ دولية لهم، فهم مجرد نازحين، يقيمون في
مخيماتٍ عشوائية، ولبنان الرسمي مع أحزاب الممانعة يمنحهم فقط صفة نازحين، ومن دون أي ضماناتٍ لحياة هؤلاء وحقوقهم. ويعتبر لبنان أسوأ مكان لجوء للسوريين، إذ تتنافس الدولة مع بعض الجماعات الأهلية في نشر موجةٍ من العنصرية الكريهة ضدهم. وجرائم قتل السوريين يُنظر إليها حوادث هامشية، وذلك بالنظر إلى جنسية الضحايا والطائفة التي ينتمون إليها.
يتحدّث مسؤولون لبنانيون، هذه الأيام، بتفاؤلٍ عن ازدهار السياحة مجدّداً في بلدهم الذي يمتلك حقاً مقوماتٍ سياحية، وما زال ينظر إليه شطر كبير من العرب بقدرٍ من الافتتان. ويغيب عن بال هؤلاء المسؤولين أن موجة العنصرية الصفراء ضد السوريين تلطخ صورة البلد، وتشي بعنفٍ علنيٍّ ومستتر، يستوطن بعض مفاصل الحياة في "لبنان المحبة"، الأمر الذي ينعكس سلباً على التدفق السياحي.
وتبقى المفارقة السياسية أن تيار المستقبل الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، سعد الحريري، لا يوافق على الانتهاكات الجسيمة بحق السوريين، ولعل الحريري نفسه لا يرتضي هذه السلوكيات المشينة، لكنه لا يفعل شيئاً ذا بالٍ لوقفها، والحد منها، لكنه يجاري موجة شعبوية (كارهة للغرباء وخصوصاً الفقراء منهم)، ويغضّ النظر عما يجري. فيما تعجز أحزاب وتيارات مدنية لبنانية عن الضغط على الحكومة، من أجل تبنّي موقف سياسي راشد، يقوم على ضرورة تبني وجود مناطق آمنة في سورية مرعيّة دولياً، كي يعود السوريون طواعيةً إلى وطنهم، وكانوا قد خرجوا منه مكرهين، مع تحميل النظام في دمشق (لا اللاجئين أنفسهم) مسؤولية لجوئهم الإجباري، ومسؤولية استمرار هذا اللجوء.