ترامب في سورية

ترامب في سورية

06 يوليو 2017
+ الخط -
ظهر تزايد في الدور الأميركي في سورية في الأسابيع التي تلت استلام دونالد ترامب الرئاسة الأميركية. وظل الحوار الأميركي الروسي راكداً، على الرغم من كل الآمال التي عُقدت على نجاح ترامب في ما يتعلق بعلاقته مع روسيا. لهذا، ظلت المشاركة الأميركية في مفاوضات أستانة وجنيف "خارجية"، حيث تعاملت بوصفها مراقباً. لكنها أوجدت قاعدةً عسكريةً في منطقة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية، بعد أن أقامت، في فتراتٍ سابقة، قواعد في الشمال الشرقي، في سياق التنسيق مع "قوات سورية الديمقراطية". ولقد قصفت قواتٍ داعمة للنظام السوري، حين تقدّمت باتجاه التنف، بعد أن كانت قد قصفت مطار الشعيرات بصواريخ بعيدة المدى، وأسقطت طائرةً له، يُقال إنها كانت تقصف "قوات سورية الديمقراطية".
ضمن ذلك كله، ما هو الممكن في سياسة أميركا تجاه سورية؟ يبدو واضحاً أن أميركا تريد تصفية وجود "داعش" في الرّقة، وحصره في دير الزور، وربما التقدّم من الجنوب لوصل التنف، حيث باتت تتمركز في الرّقة، وأيضاً ربما الاندفاع للسيطرة على الشرق والشمالي الشرقي، وفرض أمر واقع يتمثل في سيطرة أميركية على جزءٍ من سورية في مقابل السيطرة الروسية على الجزء الآخر. في هذه المعادلة، يصبح التفاوض الأميركي الروسي مبنياً على "توازن قوى" في سورية، وبالتالي، يجعل المفاوضات تبدأ من أساسٍ مختلفٍ عما يجري حالياً، حيث تتحكّم روسيا بكل اللعبة. ولقد عزّزت من مسار أستانة بديلاً عن جنيف، وهو المسار الذي يعني فرض "الحل الروسي" القائم على بقاء الأسد، ومحاولة دمج بعض الكتائب "الإسلامية" في بنية الدولة، على الرغم من أن هذا المسار تتشارك فيه تركيا التي تضغط على الكتائب "الإسلامية" للمشاركة، وقبول الشروط التي يجري التوافق عليها بين كل من تركيا وروسيا، والتي تعني إعطاء تركيا دوراً في السيطرة على الشمال الغربي من سورية، وإشراك "جماعتها" في الحل السياسي الروسي.
أميركا تحسم في العراق، وقد ظهر أن "داعش" يتلاشى، ولقد بات التأثير الأميركي كبيراً هناك، حيث لا بد من أن يصبح العراق مجال سيطرةٍ أميركيةٍ بديلة لسيطرة إيران. ولهذا، يصبح تركيز أميركا على وضع سورية، ولا شك في أنها تقدّمت في حسم الحرب ضد "داعش" في الرّقة، ووضعت حدوداً لنشاط قوات النظام السوري، على الرغم من كل التحذيرات الروسية، وتعزّز من دورها السوري أكثر مما كان، من خلال إرسال قوات برية وصواريخ مضادة للطائرات ودبابات. وبهذا، فقد زرعت عدداً من القواعد العسكرية، بـ "التحالف" مع "قوات سورية الديمقراطية"، وكتائب من الجبهة الجنوبية، جرى تدريبها في الأردن. هذا الوضع لا شك يجعل التفاوض الأميركي الروسي مختلفاً عمّا كان في السابق، وبالتالي يفرض شروطاً جديدة.
لكن، لا بد من ملاحظة أن أميركا ليست معنية بسورية في نهاية الأمر، وأن دورها الراهن يأتي في سياق كسب الأوراق في التفاوض مع روسيا. وهو الأمر الذي يعيد إلى أن الوصول إلى حلّ ما زال مرتبطاً بما يمكن أن تتفق عليه روسيا وأميركا، ومن دون ذلك سيبقى الصراع قائماً. والوصول إلى توافقٍ لا يرتبط بوضع سورية فقط، بل يشمل على الأقل كما تريد روسيا، التوافق في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا من "الغرب". وهذا أمرٌ لا يبدو أن في الأفق ما يشير إلى أنه قريب، نتيجة التشدّد الروسي، فروسيا تريد أن تظهر هي المنتصرة في هذا "الصراع"، وأنها كسبت ما يجعلها قوةً عالمية مهيمنة، في وقتٍ يبدو فيه أن أميركا ما زالت في غير وارد التخلي عن دورها العالمي الأول، وأن كل ما تقبله أن تشكّل مع روسيا ثنائياً "يحكم العالم".