المطالب الأقسى ولا مطالب للأقصى

المطالب الأقسى ولا مطالب للأقصى

28 يوليو 2017
+ الخط -
أكد مقال الأسبوع الماضي أن الإملاءات التي أطلقتها بعض الدول، فيما سمّته مطالب من قطر، مثلت واحدةً من حالات الحوَل العربي في تعيين الخصم أو حتى العدو، فبينما استأسدت تلك الدول على قطر، تُرك العدو الصهيوني يسرح ويمرح في انتهاك المسجد الأقصى، قدسياته وحرماته، كان التربص واضحا فيما يخص قطر والخلاف معها. ومن وحي ذلك، علينا التوقف عند مشاهد ثلاثة:
يتعلق الأول بحادث في السفارة الإسرائيلية في الأردن، حارس إسرائيلي مارس بلطجته، وقتل مواطنيْن أردنيين، استطاع نتنياهو، بعد مفاوضاتٍ، أن يعيد كل موظفي السفارة الإسرائيلية بمن فيهم القاتل، أكد نتنياهو في مكالمته للقاتل بأنهم سيحمونه، ولن يتركوه. وأكد القاتل، بعد عودته، أنه شعر أن دولة بأكملها تقف وراءه، وبدا هؤلاء جميعا يرسمون أقبح مشهدٍ يدل رمزيا على الضعف والهوان في جهة العرب والصلف والغرور والبلطجة في جهة الكيان الصهيوني وممارساته.
في مفارقة عجيبة، تتخلى دولة عن مقتوليها، ودولة تقف وراء قاتلهم. دولة تحترف البلطجة والإرهاب، وأخرى تستهين بدماء أبنائها. هذا المشهد يؤكد أن دولة الكيان الصهيوني، بعد أن مارست بلطجتها على الأقصى، مدنسة باحاته وساحاته، بجحافل مستوطنيها وجنودها، لم تجد من يردّها، ولو حتى كلاما، من دول عربية، من المفروض أن تتحرّك، وتتخذ من الإجراءات ما يردع إرهاب هذا الكيان. إن كان ذلك كذلك، فإن دولة الكيان الصهيوني ظلت تمارس بلطجتها، حتى على هذه الدول التي صمتت وسكتت عن انتهاك الأقصى.
يتعلق المشهد الثاني باستئساد إسرائيل على المصلين الفلسطينيين في الأقصى، وقد نصبت لهم بوابات إلكترونية، وأصرت على أن يكون الأقصى تحت سيطرتها، تفعل فيه ما تشاء. ونرى بوادر انتفاضة ومقاومة، دشنتها المرابطات من النساء، والمرابطون من الشيوخ والعجائز،
ليمثلوا حالة حمايةٍ للأقصى بصدورهم العارية، وانضم إليهم من أهل فلسطين، ليتحدّوا صلف الكيان الصهيوني الذي يريد الهيمنة على الأقصى، وعلى بيت المقدس والمقدسيين جميعا. وبدا الأمر في مشهد مقاومة وقع فيها من الشهداء، ومن المصابين، يؤكدون على افتداء الأقصى بأرواحهم، ليؤكّدوا معاني العزة والكرامة.
المشهد الثالث هو مشهد الدول الرباعية الجديدة في حصار دولة، ثلاث من الخليج بالإضافة إلى مصر الانقلاب، تقطع علاقاتها مع قطر، وتقوم بحصار شامل وظالم برا وبحرا وجوا، وتطرح مطالبها الثلاثة عشر بأقسى لغةٍ ضمن مفردات لا تراعي رحما ولا رحمة، ولا تحافظ على جوار أو ترعاه، لكنها تهدّد وتتوعد، في لغة لم تعرفها الأعراف الدبلوماسية بين هؤلاء من قبل، تعبر عن حالةٍ غير مسبوقة في إملاءاتٍ غير معقولة، وانتهاكات لسيادة دولة أخرى غير مقبولة.
جعلتنا هذه المشاهد الثلاثة نفكر في مشهد آخر متصور، نعتبره غائبا، كان من المفروض أن يحضر وبشدة، وكأن هذه الدول، وباللغة نفسها ذات النبرة العالية المهدّدة والمتوعدة. سنعيد في هذا المشهد الافتراضي بصياغة بعض المطالب، وكأنها مطالب تلك الشعوب العربية من زعماء العرب المزعومين، وكأنهم يقدّمون مطالبهم، بل وإملاءاتهم هذه المرة إلى الكيان الصهيوني، دعونا نتصور مطالب الأقصى الغائبة، بعد أن مارسوا الإملاءات الأقسى على دولة قطر.
البند الأول، على الكيان الصهيوني أن يتوقف، وبلا إبطاء، عن كل إجراءات التهويد في بيت المقدس، وتلك الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها في حق القدس والمقدسيين، وتلك الانتهاكات التي تمارسها جحافل المستوطنين، وجنود الجيش الصهيوني، ويعتبر فعل الكيان الصهيوني تهديدا غير مقبول للأمن القومي العربي.
البند الثاني، أن الدول العربية ستعقد اتفاقات، وتقيم تحالفات مع كل الدول التي تقف موقفا قويا في مواجهة إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني، وأنها ستعزّز كل تعاونٍ من شأنه أن يحقق ردع إسرائيل، وفي مقدمة ذلك التعاون مع تركيا.
البند الثالث، إن إسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة ليل نهار، وتمارس الإرهاب من خلال قطعان المستوطنين، تطالب باتخاذ كل الإجراءات القانونية والدولية، لتضمين تلك الأفعال الإسرائيلية تحت عنوان إرهاب الدولة، وإدراج المستوطنين بأفعالهم كيانات إرهابية، وهو ما يوجب القيام بكل ما من شأنه محاسبتهم، ومحاسبة الكيان الذي يقوم بتحريضهم.
البند الرابع، تؤكد الدول العربية مجتمعة على تمييزها القاطع بين الإرهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني، بأدواته المختلفة وأفعال الإرهاب المختلفة، وبين أعمال المقاومة التي تقوم بها تكوينات المقاومة الفلسطينية التي تواجه الإحتلال والاغتصاب الإسرائيلي، وتؤكد أن هذه المقاومة مشروعةٌ في الأعراف الدولية والقوانين الدولية، وتجعل المقاومة لكل محتل حقا مشروعا وعملا ضروريا غير ممنوع.
البند الخامس، تؤكد الدول العربية أنها تساند كل إعلام يفضح هذه الأفعال التي تتعلق بإرهاب الكيان الصهيوني، وتؤكد أن هذا الإعلام هو الذي يجب دعمه ومساندته، لكشفه الحقيقة، وتعريته كل هذه الأعمال العدوانية بحق الأقصى والقدس والمقدسيين، وتؤكد أن ما تقوم به قناة الجزيرة إنما يشكل نموذجا يحتذى في هذا المقام.
البند السادس، تطالب الدول العربية بحق العودة لكل الفلسطينيين إلى أرض فلسطين من البحر
إلى النهر، كما تطالب باتخاذ ما يلزم حيال التعويضات المناسبة عن الضحايا والخسائر كافة، بسبب سياسات الكيان الصهيوني، بعد احتلاله فلسطين، وسوف تحدّد الدول العربية الآلية في اتفاق فيما بينها، لضمان هذا المطلب، ومتابعة تنفيذه.
البند السابع، تلتزم الدول العربية جميعا باتخاذ كل الخطوات المناسبة على الأصعدة كافة، عسكريا وسياسيا وأمنيا، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويحفظ أصول الأمن القومي العربي وجوهره.
البند الثامن، المطالبة بمواجهة كل المؤسسات التي يدعمها الكيان الصهيوني، بشكل مباشر أو غير مباشر، لما تقوم به من الإضرار بالقضية الفلسطينية وأمن الدول العربية.
البند التاسع، تمهل الدول العربية الكيان الصهيوني للموافقة على تلك المطالب خلال عشرة أيام، وإذا لم تنفذها إسرائيل، فإن الدول العربية ستتخذ الإجراءات اللازمة بمواجهة هذا الكيان بكل ما أوتيت من قوة.
البند العاشر والأخير، ستتضمن هذه الشروط من الدول العربية أهدافا واضحة وآلية واضحة، وسيتم إعداد تقارير متابعة دورية تضمن تحقيق هذه المطالب، في مواجهة هذا الكيان الصهيوني العنصري، حتى تعود فلسطين إلى أهلها، وتحافظ الدول العربية على جوهر أمنها القومي.
هذا البيان الافتراضي الذي أردنا صياغته باسم الدول المقاطعة، وسائر الدول العربية، يشكل بحق مطالب الشعوب العربية الحقيقية، تلك المطالب الغائبة للأقصى وفلسطين، المطالب المغفلة عن عمد وتواطؤ لا يعرف له سبب، لكننا فقط نجد لغة الإملاءات تمارَس على دولة مثل قطر، بلغة فاضحة، لا يمكن أن توجه إلا لعدو، واستعيرت مفرداتها من قاموس إعلان الحروب، وقد وجهناها لعدو حقيقي، هو الكيان الصهيوني، أفلا تعقلون؟ ألا تخجلون من صمت عن مطالب الأقصى، وتمارسون الإملاءات الأقسى، وتفتعلون معركةً بلا ميدان، وتغفلون أو ربما تتواطأون عن الميدان الحقيقي الذي تخاض فيه المعارك الحقيقية، لا المعارف الزائفة، استقيموا (حتى) يرحمكم الله.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".