عن "الكارنيفور" وأمثاله

عن "الكارنيفور" وأمثاله

26 يوليو 2017

ديلارد جونسون وكريستوفر سكوت كايل

+ الخط -
قد تبدو هذه المفردة ثقيلة على مسامعنا، هي تعني في أكثر من لغة "آكل اللحوم"، ومجازاً "آكل لحوم البشر"، ونعني بها هنا صائد البشر الوحش الدموي، ديلارد جونسون، الرقيب في الجيش الأميركي الذي أقر أنه قتل أكثر من 2760 عراقياً، بدم بارد وأعصاب هادئة، في أثناء خدمته في العراق خمس سنوات، وهو من أطلق على نفسه وصف "الكارنيفور"، في كتابه الذي حمل هذا العنوان، إذ لم يمر يوم من أيام خدمته الطويلة من دون أن يكون قد اصطاد عراقياً أو اثنين، وقد اكتسب خبرته العريضة في القتل من أنه اعتاد صيد الغزلان في مراهقته.
يتذكّر جونسون الشرير بفخر أنه، في أول يوم من خدمته، كان على ظهر مدرّعة عسكرية، وفتح النار على 13 عراقياً في حافلة ركاب على طريق بغداد- السماوة في الجنوب، وسحقهم جميعاً بمدرعته، وكان شعوره آنذاك، كما قال لمحطة فوكس نيوز، أفضل من شعوره وهو يقتل الغزلان في السابق، ولم تبخل عليه قيادته، وجهات أميركية أخرى، بتكريمه بمنحه أكثر من 37 ميدالية ووساماً ودرع تقدير، كما اعتبر واحداً من أشدّ العسكريين فتكاً في الحروب على مر التاريخ.
اللهم لا شماته، ولكن ديلارد جونسون يرقد في المستشفى هذه الأيام مريضاً بالسرطان، جرّاء استخدامه قذائف اليورانيوم المنضب ضد العراقيين.
ثمّة "كارنيفور" آخر، لا يقل وحشيةً عن سابقه، اسمه كريستوفر سكوت كايل، ضابط المارينز الشرير، يسميه رفاقه "شيطان الرمادي"، ويقول عنه آخرون إنه "نصف إنسان ونصف ذئب". كان هو الآخر بارعاً في صيد الطيور والأيل في صغره، كما برع في حرب العراق في قنص البشر، أطفالاً ونساء ورجالاً، خصوصاً في معركة الفلوجة الثانية، وفي مدينة الصدر أيضاً، وكانت حصيلته الدموية في أربع جولات من خدمته في العراق بضع مئات وأكثر، كُرّم بعدها بعدد من الميداليات والأوسمة، روى حكايته كتاب "قناص أميركي" الذي تحول إلى فيلم سينمائي.
اللهم لا شماتة، فقد قُتل كريستوفر سكوت كايل في واقعة غامضة في ميدان رمي في ولاية تكساس، وقال المحققون، في حينه، إن الدافع إلى القتل لم يكن واضحاً.
وآخر هو جون غيدري المجند الذي خدم في حرب العراق، وفتك بثلاث أسر على نحو متعمّد، نقرأ في رسائل وجهتها أمه، ماري غيدري، إلى نساء من العراق، ونقلها موقع "إندبندنت ميديا سنتر" أن ما فعله ولدها لم يكن واقعة فردية، إذ "يدرّب الجيش الأميركي أفراده على أن يقتلوا في كل الحالات التي تواجههم، ومن دون تردّد، وقد دربوا على فتح النار على أي شيء يتحرّك أمامهم، السيارات، العربات، الكلاب الضالة، والبشر طبعاً، إلى درجة إطلاق النار حتى على حركة غير واضحة لثياب تهتز في الهواء". تروي غيدري كيف فتح ابنها النار على طفلين وأبيهما، كانوا أمام منزلهم في بغداد وقتلهم في الحال، وعندما تقدّمت الأم لالتقاط جثتي الطفلين، وهي تنتحب بأسى عميق، صوّب ناره نحوها وقتلها هي أيضاً من دون أن يرفّ له جفن. وتروي غيدري حكاية عن امرأة من الفلوجة داهم المارينز، ومن بينهم ولدها جون، منزلها في أثناء حصار المدينة، وقتلوا زوجها وأطفالها، وعندما صرخت بوجوههم: لماذا فعلتم ذلك، عاجلها جون بإطلاقة قضت على حياتها، هو نفسه لا يعرف السبب. وفي مدينة الرمادي، ثمّة طفلة لم يتجاوز عمرها ستة أعوام، قتل جون ورفاقه كل أفراد أسرتها، وتركوا الطفلة جريحة ينزف منها الدم.
تعترف والدة جون أن ابنها "ارتكب جرائم شنيعة حقاً.. وخسرت ولدي، لأنه تعلم من حرب العراق صناعة القتل"، تتضرّع إلى النساء العراقيات اللواتي خاطبتهن في رسائلها أن يغفرن لولدها جرائمه بحقهن.
اللهم لا شماتة، كان جون غيدري "صحيح البنية، قوي العضل، وقد برز مجنداً نشيطاً لكنه عاد من العراق محطماً، بعدما اقترف على امتداد شهور أعمالاً عدوانية ضد آخرين لا يعرفهم، وفي النهاية غرق في غيبوبةٍ ولم يخرج منها".
ديلارد جونسون وكريستوفر كريس كايل وجون غيدري عينات من عشرت ألوف الأشرار الذين غزو بلادنا، وارتكبوا من الأفعال الوحشية ما لم يسجله تاريخ الحروب قبلهم، يكفي أن أكثر من مليون عراقي ماتوا بأيديهم.
اللهم لا شماتة، لكننا ننتظر مصير كل الذين أغرقوا بلادنا بالدم، وأحالوها إلى دمار.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"