بين تركيا والاتحاد الأوروبي

بين تركيا والاتحاد الأوروبي

25 يوليو 2017
+ الخط -
حلّت في تركيا 15 يوليو/ تموز 2017، الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وأعلنت السلطات التركية هذا اليوم عطلة وطنية سنوية للاحتفال "بالديمقراطية والوحدة"، مبينة أنّ إفشال الانقلاب يمثل نصرا تاريخيا للديمقراطية التركية.
لكن لدول الاتحاد الأوروبي رأي آخر بخصوص ديمقراطية تركيا، إذ ترفض، حتى الآن، التأشير عليها والاعتراف بها ومنحها بالتالي بطاقة العضوية الكاملة، وظلت تقف موقف الـ"بين بين" منها، فمرة تمتدحها، ومرات عديدة تنتقدها انتقادات لاذعة.
تعود المرة الأولى التي تقدمت فيها تركيا بطلب لعضوية الاتحاد الأوروبي، إلى سنة 1959، وكان حينها يسمى الجمعية الأوروبية، إلا أن هذا الطلب، وبعد سنوات من الانتظار، لم ينظر فيه رسميا إلا في قمة هلسنكي يومي 10/12 ديسمبر/ كانون الأول من سنة 1999، حيث تم الاعتراف بتركيا مرشحة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
واشترطت دول الاتحاد الأوروبي للدخول في مفاوضات رسمية مع الحكومة التركية شروطا منها احترام الأقليات وحقوق الإنسان، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتحسين علاقتها مع اليونان، وكف يد الجيش التركي عن التدخل في الشؤون السياسية.
وستجبر تركيا بعدها على انتظار حتى حلول 3 أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 2005، لبدء أول مفاوضاتٍ في تاريخها حول العضوية الكاملة في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى، من دون تحديد أي سقف زمني لها.
ومن وقتها، لم تراوح هذه المفاوضات مكانها، وظلّت تخضع لمزاج المارد الأوروبي، فإذا كان هذا المزاج جيدا خرجت تصريحات من هنا وهناك تبشر الأتراك بالاقتراب من الانضمام إلى المجموعة الأوروبية، وإذا كان غير ذلك فإن الذين خرجوا بتصريحات التهليل والتبشير يختلقون، هذه المرة، ملفات سياسية وحقوقية تدين تركيا، وتضعها في موقف حرج يجعلها تبتعد كل الابتعاد عن عضوية الاتحاد الأوروبي.
والدليل على ذلك أن تركيا التزمت بمعظم الشروط الأوروبية، وقامت بسلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والحقوقية، منها فتح المجال لحرية الرأي والتعبير وإنهاء حالة الاعتقالات السياسية، وإلغاء عقوبة الإعدام، ومنح حقوق للأقليات الدينية غير المسلمة، حتى أن ديمقراطيتها أصبحت أحسن بكثير من ديمقراطية بعض دول الإتحاد الأوروبي نفسها، إلا أن هذه الدول لم تلتفت إلى ذلك.
والتفتت فقط إلى ما حدث في 15 يوليو/ تموز 2016، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تورطت فيها جهات في الشرق الأوسط وفي أوروبا، حيث دعا الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، الدولة التركية إلى حماية ديمقراطيتها البرلمانية، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون والحريات الأساسية وحق الجميع في محاكمة عادلة "بما يتفق مع التزاماتها بوصفها دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي". بعدها، سيعلق البرلمان الأوروبي في جلسة تصويت انعقدت في الشهر نفسه، مفاوضات انضمام تركيا، بسبب ما رآه استخداما للقوة غير المتناسبة من الحكومة التركية ضد الذين دعموا الانقلاب، متناسيا أنه يجدر به، وانسجاما مع قوانينه ومبادئه ومواثيقه ومعاهداته، أن يقف في صف الحكومة التركية ضد الانقلابيين، لا العكس، ما جعل اليأس يحاصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليصرّح للصحفيين في ديسمبر/ كانون الأول من السنة نفسها، إنه استنفد الصبر والطاقة في اللهات وراء أوروبا.
وبقراءة متأنية ودقيقة لتصريحات بعض الزعماء السياسيين الأوروبيين، يمكننا أن نقف على الأسباب والمسببات الحقيقية وراء تعاطي الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة الملتبسة والغامضة مع الملف التركي. ومن هذه التصريحات تصريح رئيس حزب الحرية الهولندي، خيرت فيلدرز، وهو تسجيل مصور نشره سنة 2015 على الموقع الإلكتروني لحزبه، قال فيه إنه "لا يمكن أن تكون دولة مسلمة مثل تركيا جزءا من الاتحاد الأوروبي، فنحن لا نريد مزيدا من المسلمين، بل على العكس، نود أن ينقص عددهم بيننا".
والإشارة واضحة، فعلى الرغم من أن مؤسس تركيا الحديثة وبطلها القومي، مصطفى كمال أتاتورك، غير وجه تركيا، حتى يرضي القارة العجوز، بحيث ألغى سنة 1924 الخلافة العثمانية وفرض مع بداية 1926 العمل بالتقويم الميلادي، وألغى التقويم الهجري الإسلامي، وتبنى القانون المدني السويسري الذي يساوي بين الجنسين (المساواة في الميراث، الزواج المدني، حرية اختيار الدين، وإلغاء تعدد الزوجات)، وفرض السفور على النساء، وألغى سنة 1928 الحروف والأرقام العربية واستبدلها بالأرقام والحروف اللاتينية إلى غيرها من الإجراءات، إلا أن أوروبا ما تزال تنظر لتركيا بعين الريبة والشك وتضعها خارج حساباتها الخاصة، فالاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يقبل ببلد إسلامي كتركيا في مجموعته، لأسباب سياسية واجتماعية وثقافية وحضارية، في حين من الممكن أن يقبل بأي بلد، شريطة أن لا يكون منتميا للعالم الإسلامي، مثل قبرص ومالطا ولتوانيا ولاتفيا وإستونيا والتشيك وسلوفاكيا وسلوفينيا وكرواتيا وغيرها، وهذا هو ما جعل باحثين ومهتمين ودارسين كثيرين ينعتون الاتحاد الأوروبي بالنادي المسيحي.
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
5774E03D-FA23-451D-812A-98244EA1AD25
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)
عبد الرحمن الأشعاري (المغرب)