واقعية ومثالية جنيف 7

واقعية ومثالية جنيف 7

24 يوليو 2017
+ الخط -
عند كل جولة من محادثات جنيف السورية، تتجه الأنظار إلى المدينة التي أصبحت بوصلة استقطاب لكل من رغب بإبداء رأيه في قضية من المفترض أنه خيرُ ممثلاً لها.
وكما عودتنا الشخصيات المعارضة، وعند عشية إطلاق المفاوضات، فهي دوماً غائبة عن مخاطبة السوريين، وهو أمر أصبح طبيعياً، طالما أنّ الحشود تتهيّاً لمراجعة جدول أعمال المحادثات، والإيثار على مراجعة المسموح والممنوع، بحسب ما تمليه عليهم من الدول الداعمة.
لم يكن جنيف 7 في حلّته الأخيره كما الجولات السابقة، بل إنّ درجة الوضوح في انحراف مسار المفاوضات، استشفها حتى الطفل السوري، وفي الوقت نفسه، فإنّ هذا الطفل لن يسأل سؤال العارف عن سبب استمرار حضور المعارضة محادثات مثالية، أصبحت تركز على تفنيد بعض المصطلحات الفضاضة الخاصة بالمستقبل البعيد، والبعيدة كل البعد عن الواقع المعاش.
ومن زاوية الواقعية لهذه الجولة، ثمة من رأى ظهور نوع من الجدية ونسبة مئوية من الصدق، لكنها تصب في مضمار مصالح الدولة التي تسعى إلى تكريس مصالحها في سورية، فتم تسويقها من بوابة جنيف، وعبر عرّاب المسرح الدولي للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا.
من هنا، نلحظ أنّ جنيف قد غدا مكان صدق أُريد به خيراً، لكن ليس لصالح تلبية متطلبات من يُحتضر بالوقت الآني، فهذا شأنٌ قد يأتي في نهاية المطاف، أو كما قال مبعوث الأممي السابق لسورية، الأخضر الابراهيمي، إنًّ مصالح الدول وأجنداتها تأتي أولاً ثم مصالح الشعب السوريثانياً أو تالثاً، أو قد لا تأتي.
فالواقعية إذاً في جنيف 7 تمخضت في تفاهمات دولية نتجت عن آستانة 5، وكان لزاماً على دي ميستورا تكريسها في محادثات جنيف، فالاتفاق الأميركي الروسي بخصوص وقف التصعيد في جنوب سورية، والذي نتج من خلف بوابتي جنيف وآستانة، كان حاضراً، بل هو المحور الأساسي للمحادثات، في الوقت الذي كان من المفترض نقاش السلل الأربعة.
كانت واضحة، على دي ميستورا هذه المرة، ملامح الأريحية الإيجابية، ربما لأنه ضمن استمراره في عمله مبعوثا على الأقل لبداية العام المقبل، ريثما ينتهي من عقد أربع جولات، قد أعلن عنها أنها ستجرى حتى نهاية العام الجاري، فلم يتوانى دي ميستورا من عقد مؤتمر صحفي حتى يشيد بالاتفاق الثلاثي.
وذهب إلى أبعد من ذلك على اعتبار أنًّ ما يجري في درعا من تطبيق وقف النارهو إنجاز يدخل في إطار تكاملي للعملية السياسية الكاملة للحل السوري.
ومن عادة دي ميستورا أن يسرّب في حديثه رسائل مباشرة وغير مباشرة لوفدي النظام والمعارضة، إلا أنّه، هذه المرة، استثنى النظام من كلامه المعسول، واستفرد بالمعارضة مخاطباً إياهاً، عليك القبول وترسيخ قناعة أن اتفاق تخفيف التصعيد هو بداية المرحلة الانتقالية في سورية، مضيفاً إن على جميع السوريين اعتناق هذه القناعة، بمعنى آخر دي ميستورا بتغييرهجدول المحادثات، على اعتبار أنها البديل الحقيقي، وأساس لأي حل قد ينتج مستقبلاً لتحقيق السلام والاستقرار في سورية، تجاهل، في الوقت نفسه، كل الأسس الذي أنتجت بداية جنيف، بما فيها قرارات مجلس الأمن 2245، وبنود الوثيقة لجنيف 1 التي لم يعد لها ذكر من جميع الحضور، وأخص بالذكر وفد المعارضة التي وضعت نفسها بمكان شُبهة، عندما قًبِلت على نفسها أن تشارك وفدي موسكو والقاهرة المحسوبة على النظام السوري وموسكو، فكيف لمنصّاتٍ لا تقبل بالمساس بمصير الأسد وأجهزته الأمنية أن يتنج عنها نقاط مشتركة مع منصة الرياض التي رفضت تلك المنصات سابقاً، حتى أنّها علقت محادثاتها بجولاتٍ سابقة، ورفضت كلّ الرفض أن يكون مصيرها التميع مع المنصات الأخرى.
الحديث عن موقف المعارضة يطول شرحه، إلا أنه بات واضحاً الموقف المتناقض الصادر عنها، فبعد انتهاء الأيام الخمسة للمحادثات، بدأت بياناتهم تظهر وتمخضت على أنهم لم يتنازلوا قيد أنملة عن الثوابت الثورية، ولن يقبلوا بأي دور للأسد، وهم، في الوقت نفسه، قبلوا نقاش السلل الأربع التي رفضوها سابقاً، وهم دائماً يذهبون إلى جنيف قبل أي وقف لإطلاق النار! وهم حتى قبلوا الانخراط مع المنصات الأخرى، ومنهم من أثنى على النقاشات التي تجري بينهم خارج قاعات جنيف بإيجابية النتائج، وليس أخيراً فهم ينكرون أنهم تنازلوا عن أي مطلبٍ يحملوه أنه أمانة في أعناقهم، مع ذلك فهم عبّروا عن غضبهم أنّ جنيف 7 لم يناقش المسائل الجوهرية إذاً على ماذا تفاوضون؟
تتلخص واقعية جنيف في حقائق واضحة، أولها عدم ثبات المعارضة على موقف ثابت، فهم يتنقلون بين النفي والإثبات، ولا وجود لدورجديد أو برنامج سياسي جديد، أضافت الواقعية أيضاً ما أصبح أمراً مفروضاً، الاتفاق الأميركي والروسي.
أما المثالية فهي الجانب الموجود عند بدء كل جولة ونهايتها، والتفكير على الدوام في ملف مكافحة الإرهاب والحوكمة والدستور، وجميعها تصب في الفخ الذي نصبه دي ميستورا للجميع، حينما أطلق عليها مصطلح السلال الأربع.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)