فلسطين 48 تقاوم

فلسطين 48 تقاوم

24 يوليو 2017
+ الخط -
العاقل هو الذي يتخذ من التاريخ عبرة، فيدرس أحداثه ويتتبع خطوات من سبقوه ليرى أين يضع قدمه قبل أن تزل بعد ثبوتها، وفي قصة موسى وفرعون عبرة لكل مصلح وطاغية، المصلح يعتبر ويستفيد من نجاحات موسى عليه السلام وبمعيّة الله تعالى له، والطاغية يتبع خطوات فرعون ليكون مصيره الغرق والهلاك. وحتى لا نسهب كثيراً ونضيع في تفاصيل هذه القصة العظيمة ذات التفاصيل الكثيرة، والتي لا يكاد عربيّ أو مسلم إلاّ ويعرف الكثير عنها من خلال ما ورد في القرآن الكريم.
فرعون هو رمز كل الطغاة والمستبدين خلال العصور التي أعقبت هلاكه، وفرعون اليوم هو دولة الاحتلال التي اغتصبت أرض فلسطين نتيجة مؤامرة دولية وفي لحظة غياب وضعف الأمة العربية والإسلامية. سيطرت دولة الاحتلال على أرض فلسطين من خلال حربي عام 1948و1967، وتصرفت فيها تصرف المالك، متناسية شعب هذه الأرض الراسخ منذ آلاف السنين، فقد بنت المستوطنات والمدن على الأرض العربية المصادرة دون أن تولي أصحابها أي اعتبار ولا قيمة لوجودهم، بل مارست ضدهم كل وسائل العنصرية التي من شأنها تشكيل عامل طرد لهم للبحث عن حياة في منافي الأرض.
بقي في أرض فلسطين المحتلة عام 1948 نحو مئة وخمسين ألفاً من الفلسطينيين العرب، يقيمون على ما تبقى لهم من قرى وأراضٍ قليلة، عملت دولة الاحتلال تجاههم بخطط وسياسات؛ من شأنها دمجهم في مجتمعها المتشكل من جنسيات وقوميات عديدة، وسعت إلى بث ثقافة عملت على إنتاجها لتزرعها في ضمائر هؤلاء العرب الفلسطينيين، مبنية على نسيان عروبتهم وقوميتهم، وأنهم أبناء هذه الدولة وهدفت لسلخهم عن محيطهم الفلسطينيّ والعربيّ، لكنها لم تعاملهم معاملة المواطن من الدرجة الأولى، فسلبت كثيرا من حقوقهم المدنية والسياسية والوطنية، وانتبه هؤلاء الفلسطينيون إلى عروبتهم وقوميتهم وناضلوا في كل الاتجاهات، لنيل حقوقهم المختلفة، وشكلوا الأحزاب الوطنية والإسلامية، وخدموا مجتمعهم العربي الفلسطيني، وبنوا واجهة سياسية تقف لمؤامرات تهويد وتذويب المجتمع العربي.
عرف فلسطينيو الداخل اتجاه بوصلتهم، وأفشلوا كل مؤامرات الصهر التي اتبعت تجاههم، وردوا ذلك بمواجهة حقوقية وسياسية ونضالية في كل ما يتعرّض له المجتمع العربي الفلسطيني. عملت هذه السياسات على نهضة سياسية فلسطينية عروبية مميزة، ولم يعد ينظر إليهم على أنهم إسرائيليون بحكم الجنسية، بل فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948.
قام فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 بدور تجاه القدس والمسجد الأقصى، عجز عنه فلسطينيو الضفة والقطاع بحكم الحالة الناتجة عن إغلاق القدس أمامهم وبناء الجدار وغيره من المعيقات التي حالت بينهم وبين قدسهم، فكان التعويض من فلسطينيّي الداخل الذين عملوا على إعمار المسجد الأقصى، وترميم ما يلزم منه في خطط كبيرة وجبارة، إضافة إلى الرحلات الأسبوعية التي تسيّرها القيادة العربية الإسلامية، من خلال عشرات الحافلات التي تقل الآلاف رجالاً ونساءً وأطفالاً، يحملون على عاتقهم الصلاة في المسجد الأقصى والرباط فيه، ودعم المواطن المقدسي بما تيّسر من تنشيطٍ للحركة التجارية التي تأثرت عقب إغلاق القدس أمام الفلسطينيين من الضفة والقطاع.
تعمل سلطات الاحتلال على إعاقة حركة الفلسطينيين الوطنية تجاه قدسهم ومقدساتهم. ولذلك، لجأت إلى حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني التي تشكل رأس الحربة في النشاطات الموجهة لخدمة القدس والمسجد الأقصى، واعتقلت من اعتقلت من قياداتها وكوادرها، وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح.
يشكل فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 حوالي20% من سكان الدولة العبرية، حسب الإحصاءات الإسرائيلية، والعرب في صعود على الرغم من موجات الهجرة اليهودية التي بدأت تنضب وتفقد زخمها. كما أصبح هؤلاء الفلسطينيون في مواجهة واضحة بلا مواربة، سواء على مستوى الحقوق أو على المستوى السياسي والوطني، وقد بدأت الدولة العبرية تدرك أنّ الوليد الذي بدأ في مهدها يوم أنْ نشأت قد شبّ على الطوق، وعرف طريقه، ولن تستطيع أن توقفه، فقد وصلت الحالة إلى أن تتشكل مجموعات تقاوم الاحتلال، ردا على سياساته واعتداءاته على الحق العربيّ الفلسطيني، فكانت عملية المسجد الأقصى.
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
0D0DAAE2-9C11-45A6-8AFB-12332414478A
جمال حاج علي (فلسطين)
جمال حاج علي (فلسطين)