صديقتي الأديبة الشبّيحة المحترمة

صديقتي الأديبة الشبّيحة المحترمة

23 يوليو 2017

(سبهان آدم)

+ الخط -
لا يوجد في عنوان هذه المقالة أيُّ التباس، فمن يريد أن يتصيّدني قائلاً لي: أنت معارضٌ فكيف تصادق شبّيحة؟ لن يستفيد شيئاً، لأنني سأحتفظ بحقّ الرد عليه، مثلما يفعل نظامُ الأسد في أعقاب كل غارة إسرائيلية تستهدفُ أراضي سورية. ومَنْ يسألني: كيف تكون صديقتُك شبّيحة ومحترمة في آن واحد، والشبّيحة أصبحوا رمزاً للقذارة؟ أرد عليه: انتظر، سيأتيك الجواب.
الأديبة المقصودة، وسأرمز لاسمها بـ "صاد صاد"، علْمانية، متحرّرة، تَخْرُج بين الناس، كما يقول أهل حلب (بالقَرْعَة)، أي: من دون حجاب، ولا توجد لديها عُقَد نفسية، فهي تدخل وتخرج، وتشارك في أمسياتٍ أدبية، مرتاحة كثيراً من ناحية زوجها، فهو رجلٌ متنور، ومتحرّر، يحترمها ويحترم أصدقاءها ويستقبلهم في بيته، ويُحسن استقبالهم ومجالستهم.
انتسبتْ صديقتي "صاد صاد"، في وقتٍ سابقٍ من حياتها، إلى فصيل شيوعي معارض، فسحبها رجالُ المخابرات من بيتها في ليلةٍ خاليةٍ من ضوء القمر، ونقعوها في أحد المعتقلات ردحاً من الزمن، ثم نقلوها إلى أحد السجون، ونقعوها مدة أخرى، ثم أخلوا سبيلها وقد اكتسبت صفة "المناضلة".. أنا، شخصياً، كنتُ أُعْجَبُ بالمناضلين بشكل عام، وبالنساء المناضلات بشكل خاص، وأنظر إليهن باعتبارهن أكثر شجاعةً مني، أنا الذي كنت أمتلك رغبة عارمة في الانتساب إلى حزب ثوري معارض للدكتاتور، ولكنني كنتُ أخاف، وأتحسّبُ من أن أتعرّض للإهانات التي طالما سمعتُ أنها تُرْتَكَبُ بحق سجناء الرأي، فأتراجع، وأختبئ وراء فكرة أنني أديب، والأديبُ يستطيع أن يكون صديقاً للجميع، وأن الأحسن له ألا يتأطر ضمن التنظيمات الحزبية التي يقودها سياسيون لا يهتمون للأدب والثقافة، من أمثال رئيس الحزب الشيوعي، الرفيق خالد بكداش الذي كان، بحسب ما يحكى عنه، يرتاب من رفاقه الأدباء، ويتعالى عليهم، مع أنه كان يحفظ أسماء الأدباء الذين أنتجوا أدباً اشتراكياً بروليتارياً عظيماً، أمثال مكسيم غوركي، وجورجي أمادو، ونيكولاي أوستروفسكي.
في بداية الثورة، بالأخص الثورة السلمية التي كانت تطالب بالإصلاح والحريات، وشيء من التعددية والديمقراطية، توقعتُ أن تتعاطف صديقتي "صاد صاد" مع الثورة أكثر من غيرها، بسبب أيديولوجيتها السابقة، وتجربتها المريرة في الاعتقال، وقد حدّثتنا مرة أن السجان المسؤول عن تعذيبها "شَبَحَهَا" فترة محدّدة، ونسيها. ومن شدة الألم، أخذت تصرخ وتولول، حتى تَذَكَّرَها ومشى إليها الهوينى، وفكّها من الشبح.
ولكن العكس هو الذي حصل، فقد وجدتُها، من خلال صفحتها الفيسبوكية، أميَلَ إلى صف بشار الأسد ونظامه الدكتاتوري الذي بدأ يرفع مستويات العنف، شيئاً فشيئاً، حتى وصلَ إلى القصف الجوي، وصواريخ السكود، والبراميل المتفجّرة، والكيماوي، والنابالم، وقتل المعتقلين تحت التعذيب.. وبعد تعليقٍ لها على أحد منشوراتي، اضطررت لحذفها، تاركاً لها ولزوجها في نفسي ذكرى طيبة.
لم أشغل نفسي طويلاً بالبحث عن احتمالات الأسباب التي جعلت هذه السيدة تقف هذا الموقف الخاطئ، فأنا أعتقد أن لكل إنسانٍ ظروفه وطريقته في التفكير، وكنت أتمنى لو أنها وقفت في الحد الأدنى على الحياد.
بقيت القطيعة غير المعلنة التي وقعت بيني وبينها ضمن هذا المستوى الهادئ الذي يتحلّى بـ "نعمة النسيان"، إلى أن دخلتُ مرة إلى صفحة أحد الناشطين، واعترضتُ على جملة كتبها يقول فيها إن بعض عناصر جبهة النصرة سوف يرسلون إلى إدلب وبئس المصير، فكتبتُ له أنبهه إلى أنه لا يجوز لنا أن نسيء للمدن، بسبب بعض الأشخاص، وإذا بصاد صاد تنبري لي بتعليق تقول فيه: الرحمة لروحك يا تاج الدين الموسى، لأنك (نقياً) رحلتَ باكراً. كانت تلك رسالةً موجزة وجهتها إليّ مفادها أنني رجلٌ ملوث. ولا تفسير لموقفها سوى "التشبيح"، فرددتُ عليها كما يلي: الأخت صاد. كان حرياً بك أن تكتبي (نقيٌّ) بدلاً من (نقياً)، فاسم إنّ يجب أن يكون مرفوعاً.. وشكراً.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...