هل نصبت روسيا وأميركا فخاخاً لتركيا؟

هل نصبت روسيا وأميركا فخاخاً لتركيا؟

22 يوليو 2017
+ الخط -
لم تكن اللحظة التركية مناسبةً في ما خصّ إعلان الحرب على قوات سورية الديمقراطية في عفرين وأكنافها، ذلك أنه ثمّة مكيدةٌ، أو ما يشبهها، لجهة تسعير حربٍ تركية، بشروط قاسية، داخل منطقة وعرة ومليئة بالتناقضات والتقاطعات السياسية والعسكرية، بل ومزدحمة بالقوى العسكرية المحلية والدولية. وفوق ذاك، في لحظة سعيدة لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، حيث تخوض حرباً في الرّقة تحظى من خلالها بدعم دولي، وتغطية إعلامية مهولة، وربتٍ دوليٍّ على أكتاف مقاتليها، فلمَ اختارت تركيا هذه اللحظة غير المناسبة، ولم تدخلها بلا موجباتٍ حقيقية، أي أسباب مباشرة (قريبة) مقنعة، إلا تذرّعها بحوادث إطلاق نارٍ استهدفت جنودها داخل الشريط الحدودي لتركيا، أو تصريحها بالخطر الكردي المحدق بأمنها القومي، علماً أن أمنها القومي لا يعني الكثير لحليفها الأطلسي (الولايات المتحدة) ولا شريكها الاقتصادي المهم (روسيا)؟ 

جهدت روسيا لإعادة عفرين، بما هي ثالث أحجار الأثافي للمناطق التي يعتمد عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، بعد الجزيرة وكوباني (عين العرب) إلى حظيرة النظام السوري، تلويحاً بإمكانية استعادتها بُعيد استعادة حلب، وبسط السيطرة عليها، وتخويفاً من إمكانية أن تشنّ القوات التركية والمعارضة السورية المسلحة هجمات صاعقة عليها، قد تودي بما تحقق للحزب وللأكراد هناك، بيد أن عناد "الاتحاد الديمقراطي" أدى إلى تراجع الروس عن مطالبهم التي وجدها الحزب قاسيةً ومهينةً لمشاعره وتضحياته، فكيف للحزب الذي يعتبر عفرين إحدى أكبر خزّاناته البشرية، وأحد أهم مناطقه التاريخية داخل سورية تنظيمياً أن يوافق على رفع العلم السوري (علم النظام) على مضض، وفي لحظة "ابتزاز" من شريكٍ يرقى إلى مرتبة الحليف، مثل روسيا.

إلى ذلك أدت طبيعة العلاقة الروسية – التركية إلى قلقٍ، طاول قيادات الحزب الكردي في عفرين وسواها، في ما خص إمكانية أن يؤدي هذا التلاقي الروسي – التركي إلى السماح لتركيا بالتوغل عميقاً شمال حلب، معطوفاً الأمر على صمت أميركي صريح عن الأعمال العسكرية التركية شمالي حلب، وعن تهديداتها المتواصلة للمناطق التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي.
بيد أن الوقائع على الأرض، في الأيام القليلة الماضية، أفصحت عن خلاف ما كان يتم تداوله بخصوص إمكانية الإحاطة بعفرين، ومن ثم عزلها، وإدخالها ضمن معادلتين متعاكستين، تصبّان في مصلحة تركيا وأمنها القومي، وقد كانت المعادلتان: إما عودة عفرين وجوارها إلى حظيرة النظام، وهذا مقبول على سوئه بالنسبة للجانب التركي، بحيث يخسر غريمه الكردي أحد أبرز معاقله، أو أن تصبح المعادلة بشكل معكوس، أي أن تخضع هذه المنطقة لسيطرة القوات المعارضة المتحالفة وتركيا، وبذا أيضاً يخسر الحزب مرةً أخرى، فواقع الحال، وما نجم عن أولى المعارك التي دارت بين "قسد" والجيش التركي، مصحوباً بقوات من المعارضة السورية المسلحة في شمالي حلب في محيط عين دقنة، دلّت على صعوبة المواجهات؛ فوفق ما نشره "المرصد السوري"، فإن المعارك أودت إلى قتل وجرح مقاتلي الطرفين، وأن تركيا وسّطت روسيا "لسحب الجرحى ونقلهم لتلقي العلاج، عبر التوصل إلى تهدئة شاملة ومؤقتة، أو وقف القتال في موقع وجود الجرحى"، بما يفيد أن المواجهات، ومنذ بدايتها، ستكون شرسة، وأن التطورات على الأرض قد تكون بخلاف المتوقع تركياً، خصوصا أن الطرف التركي غير قادر على استخدام سلاح الجو الحاسم في مثل هذه المعارك والاشتباكات. وفي ما يدلّ على أن الروس والأميركان غير مستعدين لمنح تركيا نصراً على "القوات الكردية " و"قسد"، بقدر ما يرغبان في إرباك تركيا وتوريطها في العمق السوري!
تشي المشاهد الأولى للمعارك عن مراقبة روسيّةٍ أميركية لتطورات الأحداث في عفرين وشمالي حلب، لكنهما قد يدخلان حال تفوّق طرفٍ على الآخر، ولعل الغاية الروسية مختلفةٌ عن تلك الأميركية، لجهة أن كل جهود روسيا، حتى اللحظة، تكمن في تكسير "النصال على النصال"، بغية بقاء النظام في موقعٍ أفضل لاحقاً. أما أميركا فواثقةٌ من أن شريكها الكردي لن ينتهي بسهولة، وفق شروط الحرب التركية القاسية، ويبقى السؤال المعلّق: هل حقاً كان صمت الروس والأميركان فخاً منصوباً لتركيا كي تتورّط في حربٍ لا يمكن توقّع نتائجها، أم أنهم كانوا عاجزين عن إيقاف الأتراك المستشيطين غضباً لأجل حدودهم الجنوبية وأمنهم القومي؟ وحتى نجد أجوبة مقنعة لمثل هذه الأسئلة وغيرها، سنشهد كثيراً من المعارك ومن تكسيرٍ للنصال.