في قصور الخطاب العربي الرسمي بشأن القدس

في قصور الخطاب العربي الرسمي بشأن القدس

20 يوليو 2017
+ الخط -
الثابت في بيانات جامعة الدول العربية والقمم العربية بشأن قضية القدس أنها لم ترق إلى أفعالٍ من شأنها إخضاع إسرائيل لتطبيق القرارات الدولية التي أكدت على بطلان قرار الضم في عام 1980، وكذلك المتغيرات الديموغرافية والجغرافية التهويدية القسرية في المدينة. وجاء أحدث البيانات الصادرة عن مجلس الجامعة يوم 17 يوليو/ تموز الجاري، والذي حمّل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن الإجراءات التي أقدمت عليها في المسجد الأقصى، وإغلاقه أمام المصلين وإخلائه، ومصادرة مفاتيحه والعبث بمحتوياته وتركيب أبواب الكترونية في سابقة خطيرة، فضلاً عن منع إقامة الصلاة ورفع الأذان فيه، إثر العملية الفدائية ضد الشرطة الإسرائيلية يوم 14 يوليو/ تموز الجاري داخل ساحات الأقصى.
مرّ على احتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس خمسون عاماً (1967-2017). استطاعت إسرائيل خلالها الإطباق بشكل كبير على كل مناحي الحياة في المدينة. والتهم النشاط الاستيطاني الصهيوني القسم الأكبر من أراضي القدس، كما تمّ بناء طوقين من المستوطنات حول مدينة القدس، يضمان 26 مستوطنة، يتركز فيها نحو 190 ألفا من المستوطنين اليهود المتشدّدين، كما أصدرت السلطات الإسرائيلية في الفترة الماضية من احتلال القدس قوانين عدة، تخدم التوجهات الإسرائيلية لتهويد المدينة، ومن أخطرها قانون أملاك الغائبين الذي يتيح السيطرة الإسرائيلية المباشرة على أملاك المقدسيين الذين طردوا من القدس. ولم يكن قانون تهويد التعليم في المدينة قبل سنوات أقل خطورة على المقدسيين، وتوجت المؤسسة الإسرائيلية سياساتها التهويدية يوم 16 الجاري بطرحها "قوننة القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل" لثلاث قراءات في الكنيست (البرلمان). في مقابل ذلك، لم يرق خطاب جامعة الدول العربية على مدار سنوات الاحتلال إلى أفعال من شأنها تعزيز صمود المقدسيين في مواجهة مخططات تهويد مدينتهم.
وفي قراءة متأنية لبيانات بعض القمم العربية، تمكن معرفة الاتجاه العام للخطاب العربي
الرسمي حول قضية القدس، حيث عقدت بين 1964و1966 ثلاث قمم، في القاهرة في يناير/ كانون الثاني 1964، وفي الإسكندرية في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وفي الدار البيضاء في سبتمبر/ أيلول 1966 في أعقاب الاحتفالات الكبرى التي أقامتها إسرائيل بمناسبة افتتاح الكنيست في القدس، وحضرها آلاف المدعوين من وزراء وبرلمانيين، يمثلون واحداً وأربعين دولة، جاءوا ليسمعوا وزراء إسرائيل وهم يجدّدون العهد بأن مدينة القدس عاصمة إسرائيل الخالدة. وقال رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، أحمد الشقيري، "موضوع القدس حاز على اهتمام المجتمعين العرب في عام 1966 إذ أعطوه عنواناً منيراً وهو محاولة إسرائيل تهويد مدينة القدس". وقد اشترك جميع وزراء الخارجية العرب المجتمعين آنذاك في صياغة قرار عن القدس، فأعلنوا في قرارهم "إن الأمة العربية إذ ترفض التسليم بالأمر الواقع المتمثل في قيام إسرائيل بفلسطين المحتلة، نؤكد أن مدينة القدس الجديدة المحتلة عام 1948، جزء لا يتجزأ من بيت المقدس، وأن الوجود الإسرائيلي في القدس المحتلة يمثل تحدياً جدياً للحق العربي في فلسطين". وعارض الشقيري القرار لأنه مجرد قرار إنشائي، مثل باقي القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية.
وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو/ حزيران 1967، وخضوع الجزء الشرقي من المدينة المقدسة، والذي يحتوي الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية لسيطرة السلطات الإسرائيلية، بدأ الخطاب السياسي لجامعة الدول العربية يؤكد على ضرورة إزالة آثار التوسع والعدوان، بما في ذلك القدس الشرقية، وبدأ بذلك عهد جديد من الصراع على المدينة المقدسة بين العرب وسلطات الاحتلال. وعلى الرغم من تضمين القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية (1967- 1973) بنودا مهمة بشأن القدس، إلا أن هناك تراجعاً واضحاً عن شعار التحرير إلى شعار إزالة آثار العدوان. ويذكر الشقيري معلقاً، ومقيّماً اجتماعات القمة في الفترة المذكورة: "لا أعلم أننا استطعنا مرة واحدة، أن نعقد جلسة واحدة في موعدها، وتمضي الساعة والساعتان، ونحن بانتظار هذا السفير الذي كان مشغولاً بمكالمة هاتفية مع عاصمة بلاده، وذاك السفير لأن إعداد الحقيبة الدبلوماسية استنفد وقته، وذلك السفير لأن عجلة السيارة فرقعت، وتفرقعت معها الاجتماعات. وكم مرة تمنيت أن يكون تقرير الأمين العام للجامعة العربية متضمناً اقتراحات معينة، أو دراساتٍ معدة، كما يفعل الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن شيئا من ذلك لم يقع، والدول العربية لا تعطي لأمينها العام في القاهرة ما تعطيه لأمينها العام في نيويورك". وتميزت الفترة التي تلت عام 1973 ببرود سياسي عربي، سواء في الجامعة أو كل دولة عربية على حدة، وتمّ التأكيد في الخطاب العربي الرسمي على إمكانية تحقيق السلام، في مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، بما فيها الجزء الشرقي من المدينة، وبطلان كل الإجراءات الإسرائيلية في الجزء المذكور، وتكرّرت البنود الخاصة في قضية القدس خلال مؤتمرات القمم العربية بين الأعوام (1973-2017) في إطار البيانات الختامية، وأصبحت بمثابة جزءٍ من خطاب روتيني من دون جدوى، ومن دون دعم مادي ومعنوي، يرقى إلى حجم التحديات التي يواجهها المقدسيون لمواجهة عاصفة التهويد المنظمة التي تجتاح المدينة من جهاتها الأربع، حيث لا يمر يوم من دون إعلان حكومة نتنياهو عن نشاط استيطاني في مدينة القدس.
ويعد تركيب سلطات الاحتلال أبوابا إلكترونية للمسجد الأقصى ليس رداً على العملية الفدائية
الفلسطينية ضد الشرطة الإسرائيلية فحسب، وإنما خطوة متقدمة لفرض أمر التقسيم الزماني والمكاني في مدينة القدس، بغية تهويدها في نهاية المطاف، الأمر الذي يتطلب من جامعة الدول العربية عدم الوقوف عند بيانات الشجب والاستنكار والإدانة اللفظية، بل الذهاب إلى تبني مشاريع وسياسات من شأنها تثبيت صمود المقدسيين للحفاظ على ما تبقى من أراضي القدس وعقاراتها ومحالها التجارية، ومنع النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في تحقيق أغراض إسرائيل البعيدة في المدينة. وهنا يبرز مشروع الدرهم والدينار العربي لدعم مدينة القدس وحمايتها بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص، من خلال صندوق عربي جامع حكومي، بحيث يكون مقدمة لعدة مشاريع عربية، من شأنها تمكين العرب المقدسيين من الصمود في مواجهة عاصفة التهويد التي تجتاح مدينتهم على كل المستويات، كما تحتّم الضرورة الاستفادة من إمكانات منظمات المجتمع المدني في الدول العربية، وكذلك الاستفادة من قدرات المهاجرين العرب المختلفة في أميركا وأوروبا، وعلاقاتهم مع منظمات المجتمع المدني هناك. وقد يتعزّز صمود المقدسيين في تبني خطاب عربي وإسلامي يلقى صدىً في الأروقة الدولية، وخصوصا في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) التي أصدرت قراراً قبل أيام ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا.