قطر.. عود على بدء

قطر.. عود على بدء

17 يوليو 2017
+ الخط -
يُغبط زملاءُ صحافيون، في مطبوعاتٍ وتلفزاتٍ ومواقع إلكترونية، مصريةٍ وبعض خليجية خصوصا، على فائض الثقة في النفس لديهم، وهم يخوضون في أمر الأزمة الراهنة بين رباعي المقاطعة والحصار ودولة قطر، ليس فيما يعتنقون من وجهات نظر، ولا في الاصطفافات التي يقيمون عليها، وإنما في استسهالهم الإتيان على معلوماتٍ يسوقونها كأنها حقائقُ مؤكّدةٌ، في منزلة البديهيات السائرة. ومن غرائب أمرهم هذا أن هذه "الحقائق"، في أفهامهم ومداركهم، لم يحدث أن أعلنتها الدول المعنيّة بها. من ذلك مثلا، وهو كثير، أن أحد أولئك يأتي على "تآمر" قطر على البحرين بمحاولة انقلابٍ، فتسأل: متى، ولماذا صمتت البحرين على هذا التآمر، ولماذا لم تسرع إلى شكاية الدوحة في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، بل وإلى الأمم المتحدة، فالمسألة بالغة الخطورة، ومن حق المنامة أن تُبادر إلى هذا كله، لو وقعت على محاولة الانقلاب وأفشلتها، وتبيّن لها أنها مدعومةٌ من جارتها قطر. ما الذي جعل البحرين لا تصدر بيانا صريحا في ذلك؟ يمكن قول الأمر نفسه بشأن "تآمر" الدوحة على دولة الإمارات، بتجنيس إماراتيين أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وتسهيل تحرّكاتهم. من هم هؤلاء بالضبط؟ لماذا اعتصمت أبوظبي بالصمت أمام هذا "التآمر" الذي لم يؤتَ عليه أبدا في أيٍّ من المحاكمات التي انعقدت في الإمارات لإخوانيين وإسلاميين، اتُّهموا بما اتُّهموا به. وغريبٌ أيضا أن نعلم من صحافي مصري أن دولة قطر شجّعت على تمرّدٍ في منطقة العوامية في العربية السعودية، فيما لم تكن السلطات المختصة في الرياض قد أخبرت مواطنيها، أو أي أحد، بهذا الأمر الشديد الخطورة.

من أين تتيسّر هذه المعلومات للزملاء في أبوظبي والرياض والقاهرة (وغيرها)، وحدهم دون غيرهم؟ ولماذا ظلت البحرين والسعودية والإمارات تتعامل مع الشقيقة قطر بكل هذا "الدلال"، عندما ترتكب الأخيرة هذه الأفاعيل (وغيرها)، فلا يتم التشهير بها، ولا تُساءَل في أي شكوى، أو تُعاقب أقلّه في بيانٍ "يفضحها"؟. وبشأن مصر التي صدّعت فضائياتها رؤوسنا وهي تذيع عن دعم قطر كل الإرهاب في أرض الكنانة. لماذا لم تبادر الجهات المختصة بإشهار بيانٍ موثق، يشتمل على تعيين وجوه مسؤولية الدوحة، في "دعم" مرتكبي الجرائم الإرهابية؟ يكفي أن يُقتل جنود في جريمة في سيناء، حتى تبدأ وصلات الرطانة إياها عن دعم قطر الإرهابيين الإخوانيين الذين اقترفوا الجريمة. وفي مصر أجهزة استخبارية محترفة، في وسعها ضبط هذا "الدعم القطري"، وإعلانه، وتبيان كل وجوهه. وحسنا فعلت الداخلية المصرية أنها "حاولت"، مرة يتيمةً، مثل هذا الأمر، عندما أعلن بيانٌ لها، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن المتهم المصري الرئيسي في تفجير الكنيسة البطرسية الإرهابي في القاهرة كان قادما قبل أيام من الدوحة. أخفقت تلك المحاولة، عندما أصدرت الخارجية القطرية ردّا توضيحيا، أبان أن المعنيّ زار قطر ثلاثة شهور وغادرها، قبل نحو عام من الجريمة، وإنه جاء قادماً من القاهرة، وعاد إليها، ولم تطلبه السلطات المصرية بأي صيغةٍ من نظيرتها القطرية.
الدعوة هنا إلى احترام عقولنا ما أمكن، بكشف المستور كله، إذا كان فيه ما يوضح أي مسؤوليةٍ على دولة قطر عن أي فعل، أما ترك مذيعات التلفزات المصرية يثرثرن كيفما اتفق، وكذا زملاء صحافيين ليخوضوا في أي كلام، متوهمين أنهم يشحطون الذئب من ذيله عندما يقولون ما يقولون عن قطر، كما يفعل من يفعلون في "عكاظ" و"سكاي نيوز" وأشباههما، فذلك كله كلامٌ ساقط. والنصيحة هنا أن يستأنس هؤلاء بما بادرت إليه سلطنة عُمان، في يناير/ كانون الثاني 2011، لمّا أعلنت في بيانٍ رسمي، عن "اكتشاف شبكة تجسّس تابعة لجهاز أمن الدولة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مستهدفة نظام الحكم في عُمان، وآلية العمل الحكومي والعسكري". ثم نفت أبو ظبي "مندهشة" من هذا كله، غير أن محمد بن راشد ومحمد بن زايد سارعا، برفقة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، إلى لقاء السلطان قابوس في مسقط، وبحث الجميع الملف كله.
تنفع تلك الواقعة العُمانية في تذكير أولئك الزملاء بأنه كان في وسع البحرين والإمارات والسعودية ومصر أن تفعل كما السلطنة، فيُشهروا في بياناتٍ موثقةٍ كل جولات "التآمر" القطري، لو أن القصة في أساسها كذلك، ولكنها أبدا ليست كذلك.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".