الجديد في عملية الأقصى

الجديد في عملية الأقصى

17 يوليو 2017
+ الخط -
لم يكن مفاجئاً حدوث عمليات مقاومة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، في ظل استمرار سياسات حكومة هذا الاحتلال، تجاه فلسطين، ومدينة القدس خصوصاً، بدءاً من تدمير أسس (وقواعد) عملية السلام مع منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينيتين، واستمرار سياسات التمييز العنصري ضد الجماهير العربية في الداخل، وحظر الحركة الإسلامية هناك، وملاحقة قادة الجماهير العربية في الداخل واعتقالهم، كما يجري مع رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، والنائب المنتخب عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، باسل غطاس، والذي يقضي فترة حكم في المعتقلات الإسرائيلية، كجزء من الملاحقة السياسية، إضافة إلى ما تتعرّض له النائب حنين زعبي، مرورا بزيادة وتيرة نهب الأراضي الفلسطينية وسرقتها، وبناء مستوطنات يهودية عليها، وعزل مدينة القدس وتهويدها، وملاحقة المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، واعتقال كثيرين من المصلين وموظفي وحراس الأوقاف الإسلامية فيه، واستمرار عمليات تدنيس المسجد بالاقتحامات المتكرّرة للمستوطنين وأعضاء الكنيست من الأحزاب اليمينية المتطرّفة، والتي تنادي ليل نهار بتقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، مقدمة لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.
الجديد والمفاجئ، في عملية المسجد الأقصى يوم الجمعة (14 يوليو/ تموز 2017) والتي نفذها ثلاثة شبان فلسطينيين من مدينة أم الفحم في المثلث الفلسطيني في الداخل، يحملون اسم محمد الجبارين، حيث تتضمن العملية رسائل مهمة وجديدة من حيث الأبعاد السياسية، وأبعادا مهمة أخرى من حيث المنفذين والأدوات والمكان والزمان، ففي الحسابات السياسية، تأتي هذه العملية النوعية في وقتٍ تتسارع فيه الخطوات والإجراءات الإسرائيلية لحسم مستقبل مدينة القدس وإخراجها من أية عملية سياسية مستقبلية، والإعلان عنها عاصمة أبدية لإسرائيل، في وقتٍ عبرت فيه مواقف عربية وفلسطينية عن إبداء المرونة حول مصير مدينة القدس
ومستقبلها، وإمكانية تقاسم إدارة البلدة القديمة في القدس، مع إمكانيةٍ لإبقاء بعض المواقع تحت السيادة الإسرائيلية، حيث أراد منفذو العملية أن يرسلوا رسالةً واضحةً، مفادها أن المسجد الأقصى، كما هو بوابة الأرض للسماء، هو أيضا بوابة السلام والاستقرار، وأنه إذا اعتقدت إسرائيل أنها حسمت موضوع القدس، فإن رسالة العملية إلى رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو تفيد بأنها خط أحمر، ولا يمكن التنازل عن السيادة عليها، وأن القدس لن تكون إلا فلسطينية، ولا مجال للتنازل عن أي شبر منها، ولن تكون معبرا للتطبيع العربي مع إسرائيل، خصوصا أن المنفذين الثلاثة من حملة الجنسية الإسرائيلية، وأنهم حاضرون وجاهزون للتضحية دفاعا عن الأقصى، ليس فقط بالمواطنة أو الجنسية أو الإقامة في الداخل، وإنما بأرواحهم التي ستصبح رخيصة من أجل القدس والأقصى، خصوصا أن الشهداء الثلاثة كانوا قد قطعوا مسافة تزيد على 120 كيلومترا، من أم الفحم وحتى القدس، ومروا عبر عشرات الأهداف العسكرية الإسرائيلية. وكان في مقدورهم، وبسهولة كبيرة، أن ينفذوا عمليةً قد تكون أكبر من العملية التي نفذوها في المسجد الأقصى، ولكن اختيارهم الزمان، وهو صبيحة يوم الجمعة، لكونه أكثر الأيام قدسية عند المسلمين، وللمكان في المسجد الأقصى المبارك، ما يعني أن الشهداء قرّروا أن تصعد أرواحهم إلى بارئها في هذا الزمان، ومن هذا المكان، لما لهما من مكانة دينية، والذي يؤكد أن الاعتبار الديني كان حاضرا وبقوة لدى الشهداء، ما يعتبر تطورا مهما، ولافتا في مركبات الهوية الوطنية الفلسطينية وعناصرها، خصوصا أنها العملية الفلسطينية المسلحة الأولى في المسجد الأقصى، منذ احتلاله في 1967.
وقد شكلت العملية الفريدة صدمة سلبية كبيرة لكل المستويات الإسرائيلية، الأمنية والسياسية،
حيث باتت إسرائيل تخشى، وبشكل كبير، من تقليد العملية، وفي مناطق وأماكن حساسة أخرى، ظلت بعيدة عن عمليات المقاومة الفلسطينية. وقد كشفت الردود الإسرائيلية على العملية حجم الصدمة الكبيرة، عندما أصدر نتنياهو قرارا بإغلاق المسجد الأقصى، ومنع رفع الأذان وإقامة صلاة الجمعة فيه، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها إسرائيل على ذلك منذ احتلالها القدس قبل خمسين عاما، حيث لم تمنع الإدانة الفلسطينية الرسمية للعملية من إغلاق المسجد الأقصى، فيما أخفقت المحاولات الأردنية أيضا بسماح إسرائيل بتأدية صلاة الجمعة كالمعتاد، على الرغم من الدور الأردني في الرعاية والإشراف على "الأقصى"، وفق اتفاقية وادي عربة، ووفق تفاهمات أخرى.
وعلى الرغم من الاستهداف الإسرائيلي الواضح للمسجد الأقصى، وعلى الرغم من إصرار الحكومات الإسرائيلية على عدم تفويت أي فرصةٍ لاستغلالها في المضي بمشروع تهويد المسجد الأقصى وتقسيمه، إلا أن عملية أبناء عائلة الجبارين الثلاثة، بالإضافة إلى نوعيتها، جاءت في توقيتٍ حسّاسٍ لرئيس الحكومة الإسرائيلية، وتزامنا مع جهود إسرائيلية وعربية رسمية لإقامة علاقات علنية مع الحكومة الإسرائيلية، وصولا إلى التطبيع الشامل بين عدة دول عربية مع إسرائيل في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، حيث يخشى نتنياهو أن أي تصعيد إسرائيلي غير محسوب قد يعرّض المساعي العربية للتطبيع مع إسرائيل للخطر، وقد يؤدي إلى فشل المشروع الذي يعد أولوية استراتيجية لإسرائيل التي تعي جيدا أن من ضمن الرسائل السياسية لعملية المسجد الأقصى إعادة التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وفي مقدماتها القدس، وهذا ما لا تريده إسرائيل، ولا حتى أنظمة عربية باتت ترى في القضية الفلسطينية عائقا أمام تحقيق صفقة القرن الكبرى بالتحالف مع إسرائيل. لذلك، بات مؤكدا أن تداعيات نوعية ومفاجئة ستكون لعملية الأقصى، كما المفاجآت النوعية في العملية نفسها من حيث هوية المنفذين، والأدوات، والزمان، والمكان.