إرادات تكسر انقلابات

إرادات تكسر انقلابات

15 يوليو 2017
+ الخط -
تحلّ الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، وتنظّم الدولة والحكومة والشعب التركي فعاليات عديدة في المناسبة، لتأكيد رفض الانقلابات العسكرية وهيمنة شريحة معيّنة بالقوة والخدعة على قرارات الشعب التركي. ويحقّ للشعب التركي الاحتفال بهذه المناسبة، بما يرتأيه من مظاهر البهجة والسرور والعزّة، وهو الذي تصدّى، بصدور أبنائه العارية، للمحاولة الانقلابية التي كانت تريد أن تعيد تركيا إلى سابق عهدها من حكمٍ عسكريٍّ استبدادي، لم يورثها سوى التراجع والتخلّف والفساد والانهيار؛ بينما استطاع المسار الديمقراطي الذي سلكته، على مدى العقود الأخيرة، النهوض بها على المستويات كافة، حتى غدت دولةً رائدة في المنطقة، بل وعلى مستوى العالم، وقد تابعنا كيف شارك رئيسها رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، في قمة الدول العشرين في هامبورغ في ألمانيا، وهو دليل على المستوى الذي بلغته البلاد.
تصدّى الشعب التركي للمحاولة الانقلابية الفاشلة بإرادة فولاذيةٍ، ودفع ثمناً كبيراً من دماء أبنائه، لكنه كان يدرك جيداً أن هذا الثمن هو أقلّ من ثمن العودة إلى الوراء، وتدمير التجربة الديمقراطية وسلب حرية الناس.
جاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا العام الماضي حلقة من مسلسل الانقلابات التي جرت في أكثر من صورة على ثورات الشعوب في بعض البلدان العربية، وهي الثورات التي طالبت بالتغيير وإطلاق الحريات ومحاربة الفساد والاحتكار، وخصوصا أن الحكومة التركية، والشعب التركي معها، أثبتا وقوفهما إلى جانب ثورات الشعوب التي تتطلع إلى التغيير والحرية. وقد احتضنت اسطنبول معظم الذين كانوا أهدافاً للثوارت المضادة التي أرادت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال تمكين الطغمة الحاكمة من جديد في بعض الأقطار. كما قدّما ما يمكن من دعم للشعوب المغلوب على أمرها، وقد كشفت الأيام في ما بعد تورّط دولٍ عربيةٍ كانت داعمةً بشكل رئيسي للثورات المضادة في أقطار عديدة، شهدت ثورات شعبية، كشفت تورطها في دعم محاولة الانقلاب العسكري في تركيا عبر تقديم الدعم المالي السخي، وكشف ذلك تردّد بعض حكومات هذه الدول والتأخر بالتنديد بالمحاولة الانقلابية، بل وتسخير وسائل إعلامها لبث الشائعات والتحريض من أجل إنجاح الانقلاب.
ثمّ إنه، قبل نحو شهرين، شهدت المنطقة محاولة انقلابية ثانية تشبه إلى حد كبير محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وإنْ تختلف عنها بالشكل، لكنها تتفق معها في الجوهر؛ وأقصد بذلك الحصار والقطيعة والإجراءات التي اتخذتها الدول الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) والتي استهدفت دولة قطر، واتضح لاحقاً أنها على خلفية الموقف القطري في مساندة شعوب ما عُرف بدول "الربيع العربي"، واحتضان بعض الرموز التاريخية (بعض قادة حماس مثلا)، ولعلّ في المطالب التي قدّمتها هذه الدول، لا سيما إقفال قناة الجزيرة، خير دليل على أنها ضاقت ذرعاً بالإعلام الحر الذي ينقل الموقف الحقيقي، والصورة الواقعية للمشهد العربي، كما يتفاعل مع وجدان الشعوب العربية، وقد مثّلت هذه الإجراءات في مكان ما محاولة انقلابية، كانت تهدف إلى ضرب هذه الحلقة، كما كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة، والتي حاولت ضرب تلك الحلقة في حينه.
إرادة القيادة التركية، ومعها إرادة الشعب التركي استطاعت، في العام الماضي، كسر إرادة الانقلابيين وهزمتهم، ومكّنت للمسار الديمقراطي في البلاد، وجدّدت أمل الشعوب العربية والحرّة في الاستمرار في ثورتها من أجل الوصول إلى الحرية والكرامة، والنهوض بالبلد إلى مصافي الدول المتحضرة والمتقدّمة. وكذلك، فإن إرادة القيادة القطرية، ومعها إرادة الشعب، وتفاعل الشعوب العربية مع مظلوميتها أفشل مخطط القوى التي أرادت بها وبالشعوب العربية شراً، واستطاعت أن تكسر إرادة قوى الانقلاب التي ساندت الثورات المضادة، خوفاً من شعوبها التوّاقة إلى الحرية.
إرادات كسرت انقلاباتٍ، وجدّدت آمالاً لشعوبٍ لم تترجّل بعد عن صهوة مطالبتها بالحرية، وإرادتها بكل تأكيد ستكسر انقلاباتٍ تحتضر وتنازع، وهي في ربع الساعة الأخير.