إسرائيل تكذب والخليل تكسب

إسرائيل تكذب والخليل تكسب

13 يوليو 2017

مشهد من مدينة الخليل (29/6/2017/فرانس برس)

+ الخط -
لم يجد مندوب إسرائيل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، غير البذاءة والكذب، في محاولته تقليل مقادير الهزيمة الثقيلة التي مُني بها الكيان العنصري الذي يمثّل، في معركة تصويت الدول الأعضاء الـ 21 في لجنة التراث العالمي التابعة للمنظمة على إدراج البلدة القديمة في الخليل ضمن هذا التراث، واعتبارها "منطقةً محمية" دولياً، "لأنها تتمتّع بقيمةٍ عالميةٍ استثنائية"، وذلك في اجتماع اللجنة في مدينة كراكوف البولندية، الأسبوع الماضي.
بكل سفالةٍ ووضاعةٍ، دلّتا على توتر أعصابه، ادّعى هذا أن القرار الذي وافقت عليه، في تصويت سرّي، 12 دولة ورفضته ثلاثٌ وامتنعت عن التصويت عليه ست دول، كما "البقايا في المرحاض". ولم يكتف ببذاءته هذه، بل أشاع أيضاً أن مندوب دولةٍ عربية عضوٍ في اللجنة، اعتذر في رسالةٍ إليه في "واتس آب" عن تصويته لصالح القرار، ونشرت "يديعوت أحرونوت" هذه الأُزعومة. وهنا، يحسُن الحذر من هذا الدسّ الإسرائيلي المُغرض، فلا أحد من ممثلي لبنان وتونس والكويت (الدول العربية الأعضاء في اللجنة)، في حاجةٍ لاسترضاء هذا الشخص، ومعروفةٌ مواقف دولهم في نصرة فلسطين في الأمم المتحدة. ويحسُن إشهار تقديرٍ واجبٍ للجهد الرائع الذي أدّاه ممثل لبنان في اللجنة، جاد ثابت، في موقعة كراكوف، عندما استطاع تطويق محاولةٍ من سكرتير اللجنة إجراء تعديلٍ على صياغة القرار قبل التصويت عليه، كما أنه كان قد ساهم في إنجاز ملف القرار نفسه، منذ 2009، بتعاونٍ مع لجنةٍ فلسطينية مختصة. ويحسُن، دائماً، التنويه بكفاءاتٍ دبلوماسيةٍ عربية في "اليونسكو"، استطاعت، غير مرة، منازلة إسرائيل في ساحة هذه المنظمة العتيدة، والانتصار لفلسطين التي تحقّقت لها عضويةٌ كاملة فيها، بالتواصل مع دولٍ صديقةٍ كثيرة، فصدرت عدة قراراتٍ ضد إجراءات الاحتلال في غير موضع في فلسطين، ومن ذلك قرارٌ تم التصويت عليه قبل يومين من تصويت الخليل، يرفض السيادة الإسرائيلية على البلدة القديمة من القدس، اقترحته الأردن. 

لن يجعل قرار "اليونسكو" إسرائيل ترعوي، فتوقِف تخريبها الدائم في الخليل، وتنغيص 500 مستوطن حياة مائتي ألف فلسطيني في المدينة، ولن يُجبرها على فتح 500 محل تجاري أغلقتها بقراراتٍ عسكرية، ولا على إلغاء مائة حاجز ونقطة تفتيش وطريق مغلقة، غير أن القرار يضع حماية الخليل وأهلها تحت المسؤولية الدولية، ما يعني أن كفاحاً فلسطينياً وعربياً يلزم أن يستمر، من أجل تنزيل مقتضى القرار الجديد، كما كل قرارات "اليونسكو". غير أنه، مع التأشير إلى هذه الحقيقة، واضحٌ أن إسرائيل والولايات المتحدة تفقدان أعصابهما مع كل قرارٍ تصدره المنظمة الرفيعة، فقد أعلنت حكومة الاحتلال عن إنقاص مساهمتها المالية في "اليونسكو" مليون دولار، أما الولايات المتحدة، فكانت قد أوقفت مساهمتها في موازنة المنظمة الأممية المعنية بالثقافة والتربية والعلوم، بعد التصويت الناجح بقبول فلسطين عضواً في أكتوبر/ تشرين الأول 2011. وكان عجيباً من مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، نيكي هالي، زعمها أن قرار "اليونسكو" المتعلق بالخليل يُهين التاريخ، فيما الأدعى أن تتعرّف السيدة المذكورة على أبجديات التاريخ، عساها تستحي من التطاول على بديهياته.
ومن حقائق بالغة الأهمية، تجدّد موقعة كراكوف تذكيرنا بها، أن لفلسطين، وهي قضية حق وعدالة إنسانية، أصدقاء كثيرين في العالم، في وسعهم أن ينتصروا لها، ويرفضوا أي ضغوط وإغراءات. والشاهد الجديد على هذه الحقيقة التصفيق الحار الذي قابل به عددٌ طيب من الأعضاء في لجنة "اليونسكو" المرافعةَ الأخلاقية التي أشهرتها ممثلة كوبا، دولسي ماريا بورغر، في وجه مندوب إسرائيل، عندما تجرّأ على البروتوكول، وطلب وقوف الحاضرين دقيقة صمت لضحايا الهولوكوست، في استثمارٍ لتلك الجريمة، لصرف الحديث عن ضحايا الجرائم الإسرائيلية في الخليل وعموم فلسطين. كانت شجاعةً نبيلةً من المندوبة الكوبية أن تطلب دقيقة صمتٍ من أجل هؤلاء الفلسطينيين. وغاية القول هنا إن لنا، نحن العرب، أنصاراً وأصدقاء مستعدّين لأن يبذلوا لقضايانا المحقّة كل عون، إذا ما أحسنّا شغلنا وإدارة معاركنا، في "اليونسكو" وغيرها.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.