في لندن.. ضباب

في لندن.. ضباب

10 يونيو 2017

كوربين يحتفل في لندن.. عاصفةٍ سياسية جديدة (9/6/2017/فرانس برس)

+ الخط -
دخلت بريطانيا رسمياً مرحلة الضبابية السياسية، بعد انتهاء انتخاباتها المحلية، يوم الخميس، التي أدّت إلى ما يُطلق عليه تسمية "البرلمان المعلّق". لأيام، ستكون لندن أسيرة التجاذبات المحلية، في ظلّ عدم قدرة أي فريقٍ على حسم الأكثرية البرلمانية لصالحه، ما سينعكس حكماً على تشكيل ائتلاف حكومي يقود لندن في الفترة المقبلة. وتزداد الأمور صعوبةً في ظلّ دنوّ موعد بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المقررة في 19 يونيو/ حزيران الحالي. وتشير معظم الاحتمالات، لا كلها، إلى أن لا أحد سينجح في تشكيل ائتلافٍ حكومي، ما سيؤدي إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، قبل نهاية العام الحالي، بالتزامن مع إمكانية تأجيل المفاوضات الأوروبية.
يُمكن لهذه النتائج أن تُظهر مدى قدرة تيريزا ماي على الخروج من عنق الزجاجة، فالأيام القليلة المقبلة ستُشكّل المحكّ الأبرز لها، وقد يكون مصير حياتها السياسية معلّقاً برمّته بما ستفعله في شأن تشكيل الحكومة العتيدة. تعلم ماي أن الخروج من أوروبا هدفها الأساسي، لكن أيضاً، مواجهة تداعياته على أطراف بريطانيا، كمطالبة كل من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية بالاستقلال، ومعالجة التحديات الإرهابية الأخيرة على خلفية أحداث لندن ومانشستر، والعمل على تحصين الشراكات الدولية، في ظلّ صعود نجم فرنسا ـ إيمانويل ماكرون.
في المقابل، وجد منافس ماي المباشر، جيريمي كوربين، نفسه فجأة أمام خطوةٍ قد تؤدي، في حال عزفت زعيمة المحافظين عن تشكيل الحكومة، إلى أن يسكن في 10 داونينغ ستريت، وقيادة حكومة من دون المحافظين. لكن كوربين قد يكون خياراً يسارياً أكثر مما هو خيار وسطي مشابه لماكرون. ما يعني حكماً أنه لن يتمكّن من قيادة أي حكومة فترة طويلة، ففي حال وافق على المطالب الاستقلالية لاسكتلندا وإيرلندا الشمالية، وفي حال قرّر الخوض في تفاصيل الخروج البريطاني، عبر الحصول على اتفاق مع الأوروبيين، فإن كوربين قد يجد نفسه في عاصفةٍ سياسيةٍ جديدة، تشبه ما تمرّ به ماي حالياً. والخلاصة واضحة: انتخابات مبكرة جديدة.
مؤكّد في هذه الانتخابات أنها أبعدت رئيس الوزراء السابق، توني بلير، الطامح في مرحلة لاحقة للعب دور "الطرف الثالث". كان عازماً على مواجهة كل من "العمال" و"المحافظين" بحزب جديد، حين كان الموعد المقرّر للانتخابات أساساً في عام 2020، قبل إجراء الانتخابات المبكرة أخيرا. الآن، بات بلير خارج المشهد بشكل فعلي.
يُمكن لتلك الانتخابات أن تفسح المجال أمام تراجعٍ طفيفٍ لبريطانيا في السياسة الخارجية. انكفاء لا يعني انسحاباً، بل فسحة صغيرة تعمل خلالها على ترتيب أوضاعها الداخلية. لا يُمكن للندن الانشغال بأمورها الداخلية فترة طويلة، لكن تلك الفترة الزمنية التي قد تمتد حتى نهاية العام الحالي، حدّا أقصى، جاءت في مرحلة "ذهبية" للرئيس إيمانويل ماكرون في فرنسا، الطامح لتأدية دور أكبر لبلاده مما كان قبلاً، تحديداً لناحية تحوّله شريكاً أساسياً وبديلاً عن بريطانيا، في مواقع عدة في العالم، من الشرق الآسيوي إلى الشرق الأوسط. ومن حق ماكرون أن يحلم كثيراً، في ظلّ تقاطع مختلف الاستطلاعات حول إمكانية حصده غالبية كبرى من المقاعد في البرلمان، في الانتخابات التشريعية الفرنسية المقررة غداً، الأحد، والأحد المقبل 18 يونيو/ حزيران الحالي.
كان واضحاً أن بريطانيا بدورها التقليدي انتهت مع استقالة ديفيد كاميرون، لكن المرحلة الانتقالية التي تلت خروجه من السلطة لم تنتهِ بعد. ومن شأنها أن تستمرّ فترة أطول، خصوصاً أن الأحداث المتلاحقة لم تترك مجالاً لـ"أبطال" المرحلة الانتقالية بالتنفس قليلاً. حتى أن العناوين الأساسية لتلك المرحلة، كالمفاوضات الأوروبية، باتت في حكم المؤجلة. فعلياً، بريطانيا أمام مرحلةٍ شبيهة بمرحلة ما بعد انتهاء عهد مارغريت ثاتشر، مطلع تسعينيات القرن الماضي، فإما أن تعيد بناء نفسها لمواكبة الخروج الأوروبي، أو تغرق في فوضى سياسية فترة طويلة.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".