استبداد من رحم المظلوميات

استبداد من رحم المظلوميات

09 يونيو 2017
+ الخط -
الجماعات التي تدّعي أنّها مظلومة تمارس إغواءً ما، هذا الإغواء يخدع الناس ويعمي البصائر، فهدف الإغواء الاستحواذ على العقل وإغواء الجماهير يجعلها مجرّد قطيع يقاد إلى معارك يريدها أرباب الطوائف والجماعات، لأن من يدّعون أنّهم ظلموا يدافعون عنها بكل قوة، من دون حتى أن يمنحوا أنفسهم فرصة للنقد، للاقتراب من السلوكيات والقناعات لتلك الجماعة.
يجد المتتبع الحصيف للحركة الحوثيه أنها استفادت كثيراً من سنوات ادعائها بأنّها مظلومة، بل إنّها استثمرت الظلم في توسيع مشروعها الذي يطمح لحكم اليمن والسيطرة على مفاصل السلطة، ولم تبدأ هذة العملية مع السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، بل كانت صنعاء مجرّد جني للمحصول الذي بذر مع إطلاق أول رصاصة في حروب صعدة، إذ استطاعت الحركة الحوثية منذ تأسيسها التقرّب من كثيرين من رجال الإعلام والإدارة والاقتصاد، وفي جانب الإعلام والصحافة تحديداً، استطاعت أن تحوّل وسائل إعلام كثيرة إلى ناطقة باسمها سنوات، حيث كانت تلك الوسائل، بشكل مباشر أو غير مباشر، تنقل تفاصيل حروب صعدة من منطلق الحرص على عدم إراقة الدم اليمني، واجباً تقتضيه المسؤولية الوطنية واحترام المهنية، إذ ركزت صحف أهلية وحزبية يمنية عديدة في نقلها حروب صعدة على إنّ الحروب الداخلية تمثل خطيئة، لكن تلك الصحف ورجال إعلام كثيرين، على الرغم من وجود غموض كثير بشأن موقف جماعة الحوثيين من الديمقراطية، ومن حرية الصحافة، ومن احترام القوانين والأنظمة، لم تقدم (الوسائل الإعلامية) جماعة الحوثي كما هي، وكما تفكر. وقد ساعد هذا القصور الإعلامي جماعة الحوثي في تمرير هذا الغموض في الموقف، على الرغم من أنّ هناك نماذج كثيرة في الممارسة والسلوكيات لرفض الآخر وعدم تقبّل فكرة التعايش.
ليست هناك دراسة معمّقة عن حركة الحوثيين، على الرغم من وجود متخصّصين كثيرين في دراسة الجماعات الدينية ونقد فكرها الديني والسياسي، إذ لم يظهر قيادي حوثي واحد ليخبرنا، طوال سنوات الحرب، عن موقف الجماعة من الديمقراطية والتعددية السياسية والانتخابات.. ومع ذلك، ظلّت تلك الوسائل تتعامل مع الحركة بوصفها مظلومة ومقموعة، ويجب إيصال رسالتها إلى العالم، حتى تنال حقها في الحرية، ساعد في ذلك صراع أجنحة السلطة التي صنعت حرب صعدة أصلاً.
نجحت حركة الحوثيين في خداع الشعب اليمني مرّتين، مرة وهي تقدّم نفسها كحركة مظلومة ومستهدفة في مران وباقي مناطق صعدة، ومرة أخرى وهي تقدّم نفسها مخلّصاً للشعب من الجرع السعرية الحكومية، والمطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، تلك المخرجات التي كانت حركة الحوثيين أول من انقلب عليها هي وشريكها في الانقلاب صالح.
لقد توحشت حركة الحوثيين التي ادّعت المظلومة سنوات، حتى على أفرادها، بل إنّها توحشت على وسائل الإعلام التي كانت تنقل مظلوميتها طوال سنوات الحروب الست في صعدة، إذ أوقفت تلك الصحف ومنع نشرها وسرّح العاملون فيها، والذين كانوا يحرّرون أخبار مظلوميتها. وهذا السلوك، وإن بدا غريباً إلا إنّه يعبّر عن الجماعة كما هي من دون خداع، ومن دون مساحيق تجمّل وجهها القبيح، فلا توجد جماعة دينية في التاريخ تحترم الاختلاف أو تؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا نستطيع أن نقول إنّ أبشع أنواع الاستبداد يولد من رحم المظلوميات، حتى محاربة الفساد الذي كان شعار الجماعة في مسيراتها أصبح سلوكاً ممنهجاً تمارسة الجماعة، وهي تستقوي بقوة السلاح.
التخوين واتهام الناس أنّهم عملاء ومرتزقة، تهمة جاهزة لكل من لا يقبل ممارسات الحوثيين، وهذا ما يجعلهم كلّما أحكموا قبضتهم أكثر، كلما احترقوا جماهيرياً، وهو الذي يجعل من بقائهم سلطة أمر واقع في صنعاء وبعض المناطق باهظ التكاليف، فكثير من الأصوات داخل الجماعة نفسها تعلو لإيقاف هذا الانتحار، وإن كان الصوت الغير عقلاني أعلى بحكم إلباس القضايا سطور الوطنية، وترديد شعارات كثيرة، ملّ منها الناس، فمن يجوع لا تغريه الخطابات المطوّلة، خصوصا وهو يشاهد تناقضاً بين الخطابات والممارسات والسلوكيات، ومشكلة جماعة الحوثي أنّها لا تبدع، وتمتلك بيئة طاردة للمواهب، ولهذا يضيق منها الجهاز الإداري للدولة، حتى من يقف معها في الموقف السياسي، ومرد ذلك إنّها جماعة تدار بالقوة والانتماء، الأمر الذي يستفيد منه صالح وحزبه، لتحميلها كل المسؤولية عمّا يحدث، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير.
B930F9FB-010D-4F36-8285-4A3EC57F8102
B930F9FB-010D-4F36-8285-4A3EC57F8102
معاذ القرشي (اليمن)
معاذ القرشي (اليمن)