انتخابات بريطانية استثنائية

انتخابات بريطانية استثنائية

08 يونيو 2017

جيريمي كوربين في غلاسكو في حملته الانتخابية (7/6/2017/Getty)

+ الخط -
تتميز الانتخابات البرلمانية البريطانية المقرّر إجراؤها اليوم، الثامن من يونيو/ حزيران الحالي، بخصائص استثنائية تجعلها الأهم منذ عقود، فالحزب الذي سيفوز بها سيحكم بريطانيا خمس سنوات، أي حتى مايو/ أيار 2022، وهي الفترة التي ستكمل فيها بريطانيا إجراءات انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، كما تجري الانتخابات على وقع هجومين إرهابيين، أحدهما في مدينة مانشستر، والآخر في العاصمة لندن في سابقةٍ، قد تعد الأولى من نوعها، وتتبنى استطلاعات الرأي صورة متقبلة لوجهة الناخبين، في ظل شعور بتراجع شعبية حزب المحافظين الحاكم، وعدم الثقة في قدرة استطلاعات الرأي البريطانية على التنبؤ بشكل عام، بعد أن فشلت في التنبؤ بنتيجة الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي

انتخابات اليوم الخميس مبكّرة، تطوعت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بالدعوة إلى إجرائها، على أمل تقوية قبضتها على السلطة، من خلال زيادة عدد أعضاء حزبها في مجلس العموم البريطاني، ويمتلك حزب المحافظين الحاكم حاليا 330 مقعدا في مجلس العموم البريطاني (650 مقعدا)، ما يعني أنه يمتلك خمسة مقاعد إضافية على نصف مقاعد المجلس، ما يضمن له الأغلبية وتشكيل الحكومة منفردا من دون الحاجة للدخول في تحالفات سياسية مع أحزاب أخرى.
وعندما أعلنت ماي، في منتصف أبريل/ نيسان، قرارها عقد انتخابات مبكرة، أوضحت استطلاعات الرأي تقدّم حزبها بنسبة تفوق 20% عن أقرب منافسيه، وهو حزب العمال البريطاني الذي يمتلك 229 مقعدا في مجلس العموم، في إشارة إلى أن الحزب قادر على توسيع الفارق بينه وبين أقرب منافسيه، وإضافة عشرات المقاعد الجديدة إلى رصيده، والعودة إلى البرلمان بأغلبية مريحة، تضمن لتيريزا ماي إطلاق يدها في إدارة عملية التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.
ولكن، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أشارت استطلاعات رأي مختلفة إلى تراجع شعبية المحافظين وتيريزا ماي، وصعود نجم حزب العمال وزعيمه جيرمي كوربين، والغريب أن 
التغيير لم يرتبط بأهم القضايا المطروحة على الساحة البريطانية، وهي مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكنه ارتبط بالأساس بالقضايا الداخلية، حيث يشغل الناخبون البريطانيون، خلال الانتخابات المقبلة، ثلاث قضايا أساسية: مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي وكيفية إدارتها وتبعاتها، القضايا الداخلية وفي مقدمتها سياسات التقشف والضرائب والموارد المتوافرة للإنفاق على الصحة والتعليم، قضايا الأمن وحماية بريطانيا من الخطر الإرهابي المتصاعد.
وكأن الجميع يتصور أن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي ستمثل القضية الأهم للناخبين، خصوصا أن الحزب الحاكم وضعها على قمة خطابه السياسي، مؤكدا بالأساس على شخصية تيريزا ماي، مقارنة بشخصية زعيم المعارضة، جيرمي كوربين، المعروف بتوجهاته الليبرالية واليسارية، حيث سعى المحافظون إلى التأكيد على أن ماي صاحبة شخصية صارمة وجادة في مقابل كوربين الضعيف والمتهاون.
والغريب أن الحزبين الرئيسيين (المحافظين والعمال) لم يطرحا أي برامج مفصلة فيما يتعلق باستراتيجياتهما التفاوضية، وتحول الأمر إلى خلافٍ على التوجه والشخصيات، حيث أعلنت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، أنها ستتخذ موقفا صارما من التفاوض، وأنها مستعدة للخروج من الاتحاد، من دون عقد اتفاق تجاري بديل مع الأوروبيين، في حالة تشدّدهم في المفاوضات، وهو ما يعرف إعلاميا بتوجه "الخروج الصلب". أما زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين، فيتبنى توجها مخالفا يسميه الإعلام الخروج الناعم، حيث أعلن كوربين نيته زيارة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لو فاز في الانتخابات، والتفاوض معها على اتفاقٍ للخروج، يحمي أولا حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا والبريطانيين المقيمين في أوروبا، في إشارة إلى حرص حزبه على علاقاتٍ أفضل مع الاتحاد الأوروبي، ورفضه اتخاذ موقف متشدّد خلال اتفاقات الخروج من الاتحاد.
وعلى الرغم من أهمية القضية، إلا إنها لم تتمكن من السيطرة على اهتمام الناخبين والإعلام، وصعدت، في المقابل، قضايا الاقتصاد الداخلية، وكأن المواطن البريطاني يقول للسياسيين إن ما يهمه من كل ما يحدث تأثيره على مستويات حياته المختلفة من تعليم وصحة وإعانات حكومية وإنفاق على البنية التحتية والبرامج الحكومية. لذا، حقق حزب العمال اختراقاتٍ واضحة، بعد إعلان برنامجه الانتخابي الذي وعد بحزم اقتصادية حكومية سخية، مثل مجانية التعليم الجامعي وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبنية التحتية، في مقابل زيادة الضرائب على الأثرياء. في المقابل، تلقى المحافظون ضربة انتخابية قوية، بعد إعلان برنامجهم الانتخابي، والذي تضمن خفضا للنفقات، خصوصا في مجال الرعاية الصحية لكبار السن، ما ترك انطباعا سلبيا في وسائل الإعلام وأوساط الناخبين، يراه المتابعون مسؤولا بشكل كبير عن تراجع حظوظهم الانتخابية.
وتبقى قضايا الأمن والإرهاب من قضايا الانتخابات الرئيسية، وإنْ لم تشغل الجدل الانتخابي البريطاني كثيرا، فبعد استئناف الحملات الانتخابية بعد هجوم مانشستر، عادت قضايا الاقتصاد لتتصدّر الواجهة والجدل الإعلامي على حساب القضايا الأمنية، وليس واضحاً كيف ستؤثر هجمات لندن على مسار الانتخابات، نظرا لوقوعها قبل أقل من أسبوع على إجرائها ويروج المحافظون لأنفسهم على أنهم الحزب الأكثر حزما وصرامةً في التعامل مع قضايا الأمن والأجانب والخارج، على حساب حزب العمال وقائده اللذين يميلان إلى الليبرالية والحوار.
وبناء على ما سبق، توقع عدد متزايد من استطلاعات آراء الناخبين تراجع الفارق بين شعبية حزبي العمال والمحافظين لحوالي 3% فقط، وهذا يعني أن المحافظين في طريقهم إلى خسران أغلبية مقاعد حزب العموم بفارق بسيط، وفتح الباب أمام إمكانية أن يشكل حزب العمال حكومة ائتلافية، لو استطاع التحالف مع الأحزاب الصغرى، مثل حزبي الاستقلال الاسكتلندي والليبرالي الديمقراطي. في المقابل، ترى استطلاعات أخرى أن المحافظين في طريقهم إلى الفوز بأغلبية مريحة.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات البريطانية، كشفت المعركة الانتخابية عن ظواهر سياسية 
مهمة تستحق الرصد: أولها: تراجع شعبية رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، والتي قد تعد أكبر الخاسرين من الانتخابات، خصوصا لو خسر حزبها الأغلبية، فهي التي تطوعت بالدعوة إلى الانتخابات، محاولة تصوير نفسها سيدة حديدية. والآن ينظر لها عدد متزايد من البريطانيين كسياسية مترددة، وغير اجتماعية، ولا تستشير أحداً. ثانيا: مثل أداء زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين، مفاجأة لكثيرين، ولو تمكن حزبه من الفوز بعدد أكبر من المقاعد فسيعد هذا إنجازا كبيرا له يقوّي قبضته على حزب العمال البريطاني، ويزيد من شعبية برامجه اليسارية التي تنادي بدور أكبر للحكومة في مساعدة الفقراء. ثالثا: باتت قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي مسلماً بها، فالحزب الوحيد الذي ركز، في برامجه، على رفض الخروج هو حزب الليبراليين الديمقراطيين. ومع ذلك، تبدو شعبيته في تراجع. رابعا: سوف تحظى نتائج الانتخابات في أسكتلندا وإيرلندا الشمالية بأهمية خاصة، لأنها ستعبر عن حجم الدعم الذي ستحظى به الأحزاب المطالبة بانفصال اسكتلندا وإيرلندا الشمالية عن بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، في مقابل الأحزاب الاتحادية المتمسكة بالبقاء في المملكة المتحدة. خامسا: تراجعت شعبية حزب الاستقلال البريطاني كثيرا، والذي بنى شعبيته على قضية العداء للأجانب، والخروج من الاتحاد الأوروبي، فبعد التصويت على الخروج من الاتحاد البريطاني، وتبني الأحزاب الرئيسية للقضية يبدو اهتمام المواطن البريطاني منصبا، بالأساس، على انعكاس كل ما سبق على احتياجاته الداخلية، من تعليم وصحة وضرائب وإنفاق حكومي.