"النهضة" والفساد ومقبرة الأحزاب

"النهضة" والفساد ومقبرة الأحزاب

06 يونيو 2017
+ الخط -
يتواصل الجدل في تونس بشأن ملف الفساد والفاسدين. ويعتبر هذا المناخ ملائما لتغذية الإشاعات، وتبادل التهم بين الأحزاب والفاعلين السياسيين. وقد وجد خصوم حركة النهضة في ذلك فرصةً للتشكيك في مدى انخراطها الفعلي في هذه المعركة، بحجة أنها لا تبدو منحازةً، بشكل قوي وحازم، إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد. كما أن جزءاً من أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها الجبهة الشعبية، لم تتردّد في إعادة توجيه تهمة الفساد لحركة النهضة، والتشكيك في مصداقيتها.
يعتبر الفساد دودة الأرض التي تأكل الأفراد والجماعات بطريقةٍ تدريجيةٍ، حتى تحولهم، في النهاية، إلى جثث سياسية. ولم تنج من ذلك إلا تجارب قليلة حافظ أصحابها على نظافة أياديهم، ولم يتورّطوا في صفقاتٍ مشبوهة. سقطت في هذا المستنقع أحزابٌ من مختلف الأيديولوجيات يمينا ويسارا، ولم تسلم من ذلك حركات إسلامية عديدة ابتليت بالحكم، فظهرت في صفوف أعضائها وأنصارها فئاتٌ طفيليةٌ استفادت من تغير الأحوال، ونالها من "بيت مال المسلمين نصيب"، إذ تعتبر الأحزاب التي حكمت بمفردها، أو شاركت في إدارة الشأن العام، الأكثر عرضةً للإصابة بهذا الداء العضال، لأن السلطة تغري، وتحدث انقلابا في حياة الماسكين بها، والمستفيدين من سحرها، ومن أدواتها ومؤسساتها وصلاحياتها. وبما أن حركة النهضة لم تغادر مواقع الحكم، إلا خلال مرحلة حكومة التكنوقراط، فإن بقيت عرضةً للتشكيك في مدى التزامها بالشفافية، في أسلوب عملها حيث تم ترويج حجم هائل من الأخبار والمعلومات المتعلقة بمسؤوليها وبوزرائها طوال بقائها في السلطة.
يجب الإقرار، في هذا السياق، بأنه لم يثبت إلى الآن أن حركة النهضة تورّطت في ملف فساد واضح وموثق. كما أن إشاعاتٍ كثيرة تعلق ببعض كوادر الحركة فنّدها المتضرّرون منها، وتحدّوا مروجيها، وكذلك الإدارة، تقديم أي إثباتات على ذلك، ما جعلها لا تخرج عن أدوات الصراع السياسي بين الأحزاب ومراكز القوى. وهذا لا يمنع وجود تساؤلاتٍ في حاجةٍ إلى إجابات مقنعة، كما لا يستبعد أن أفراداً استفادوا من المرحلة الجديدة، بطرقٍ ليست دائما شفافة، لكن تبدو هذه العناصر ليست صاحبة قرار داخل الحركة. وفي كل الحالات، تبقى الحركة تحت مجهر الجميع، دولة وقضاء ومعارضة ومجتمعاً مدنياً.
ما يمكن قوله، في السياق الراهن، أن يوسف الشاهد لم يستشر حركة النهضة، عندما قرّر الإقدام على الإيقافات الأخيرة، وهو ما أحرجها باعتبارها شريكاً أساسياً في حكومة الوحدة الوطنية. ومع ذلك، أصدرت بيانا ساندت فيه التوجه نحو محاربة الفساد، وبقيت تنتظر أن يتم مدّها بالمعلومات الخاصة بالتحقيق السري مع الموقوفين. والذي جعل قيادة الحركة تطمئن نسبيا هو تأكيد رئيس الجمهورية وقوفه إلى جانب رئيس الحكومة، وأن ما أقدم عليه الأخير تم بالتشاور والتنسيق مع ساكن قصر قرطاج. ومع ذلك، تخشى عناصر قيادية في حركة النهضة من أن تكون الحملة غير مدروسة بالشكل المطلوب، ما قد يجعلها محدودةً في الزمن وفي الأشخاص، ولا ترتقي إلى مستوى ما أعلن عنه الشاهد. كما أن هؤلاء النهضويين أصبحوا يعتقدون أن تحالف حركتهم مع حزب نداء تونس أصبح غير مفيد من الناحية السياسية، وأن تداعياته السلبية فاقت بكثير مكاسبه وإيجابياته، خصوصا مع فتح ملف الفساد الذي قد يصيب، في وقت قريب، عناصر قيادية من "نداء تونس"، حيث تمارس حاليا ضغوط، وتجري محاولاتٌ من أجل الفصل بين مراكز القوى المالية والسياسيين الذين ارتبطت مصالحهم ببعض الموقوفين في قضايا مشبوهة.
يمكن القول إن النقاش داخل هياكل حركة النهضة مرشّحٌ للتصاعد خلال الفترة الأخيرة. وهذا يعني أن مصداقية الحركة أمام قواعدها وأمام الرأي العام أصبحت في الميزان. فهل تراجع "النهضة" حساباتها، وهل تفكر جديا في مغادرة الائتلاف الحاكم؟ يبدو أن هذه الأسئلة سابقة لأوانها إلى حد الآن، لكنها تبقى واردةً إلى حد كبير.