كبريت صّهيونيّ في البيت الخليجيّ

كبريت صّهيونيّ في البيت الخليجيّ

01 يوليو 2017
+ الخط -
قالوا: مُقاطَعة فقط، قلنا: بلْ هو حصار بالضّبط! هكذا بدأت أزمة خليجيّة ذات يوم حارّ، أشعلها وقود صهيونيّ بيْن الأشقّاء، لا يَعرف إلّا المال والنّفوذ.
إنّ أضرارًا بليغة عقِب حصار (3+1) على دولة قَطر، قدْ أثّرتْ على الشّعوب والدّول نفسها، وكلّ المتعاملين الآخرين، سواء من قريب أو من بعيد.
حسب وُريقة مطالب دول الحصار، يبدو أنّ أمير الكويت لَم يستطع استيلاد وساطة بيْن الـمُحاصِرين الأربعة والـمُحاصَرة الوحيدة، ومن جانب آخر، ترى قَطر منَ الوهلة الأُولى أنّها بريئة ممّا يُنسب لها من افتراءات، ولسان حالها يُردّد صباح مساء:"وشدّني في الـخِطاب".
في الـعُرف السّياسيّ، كلّ دولة مستقلّة هي مَن تُحدّد معالم سياساتها في المجالات كافّة دون وصاية من دولة أخرى، لا سيما أنّ لقَطر امتداد عربيّ وخليجيّ وآسيويّ وإسلاميّ، هي دولة ضِمن هيئة الأمم المتّحدة، وتلتزم (أيّما التزام) بالعهود والمواثيق الّتي تضبط العلاقات الدّوليّة، إنْ سياسيًّا أو عسكريًّا أو أمنيًّا أو اقتصاديًّا أو إعلاميًّا أو إغاثيًّا، وترى نفسها دولة حرّة مستقلّة وليست قاصرة، ولا تريد أن تكون مقاسًا على أحد. هي هكذا، ولا تحتاج أيّ وصاية من أيّ دولة، وتُجيد باقتدار عقْد اتّفاقات مع أيّ دولة تَرى لها فيها معها مصلحة ولشعبها من دون المساس بالآخرين من حُسن الجوار وغيرها من الأعراف الدّبلوماسيّة في إطار التّعاون الدّوليّ بمفهومه الإيجابيّ لا السّلبيّ الّذي يرى التّبعيّة سبيلًا لها، وهُنا مربط الفَرس.
أمّا عنِ الانبطاح العربيّ للصّهيونيّة منذ اتّفاقيّة كامب ديفيد فإنّ قَطر تراه اليوم خطًّاً أحمر لا يُمكن حتّى الاقتراب منه، وهو بيت القصيد كلّه، على الرغم مما يُحاك من مؤامرات ودسائس تُطبخ في دجًى تامّ، الحذر من كلّ تفكيك لأوصال أُمّة مجانًا بداية من تغييب الوعي، وشراء المواقف والذّمم فرديّة وجماعيّة، وما أكثر القائمات السّوداء.
أيّها الملوك والأمراء والرؤساء دعوا الشّعوب تًقرّر مصيرها بنفسها فهي أقدر، ولا تقبل وصاية عليها لأنّها راشدة تُجيد تسيير شؤونها بنفسها بعيدًا عن صفقات مشبوهة، إنْ أمس أوِ اليومَ، لأنّ استراتيجيّة الشّعوب واضحة وضوح الشّمس في رابعة النّهار هي الحرّيّة والعدالة والكرامة والوَحدة والتّنمية والأمان، ولا تريد تطبيعًا مع صهيون، الحقّ واحد، الحقّ لا يتجزّأ أبدًا، أمسٍ واليومَ وغدًا.
الشّعوب صِمام الأمان للوطن العربيّ الكبير، وليس ترامب وبوتين وغيرهما، هذه رسالة يَبعث بها أحرار الأُمّة كلّ حين، مُقدِّرات الأُمّة تُهدر في لمح البصر. للشّعوب مشروع حيّ يقظ يبني المجد الحضاريّ بإرادة وعزيمة وعزّة دون انبطاح، وتُمارس السّياسة بأصولها وأخلاقها حسب دوائرها ومستوياتها وأولويّاتها وإمكاناتها.
بسياسات دوليّة وإقليميّة كهذه، يبدو أنّ الصّراع يظلّ محتدمًا بيْن فُسطاطيْن كبيريْن، أنصار الصّهيونيّة وأعدائها إضافة إلى التّطاحن الأميركيّ الرّوسيّ الأوروبيّ على خيرات الوطن العربيّ من دون شكّ.
معروف أنّ دولة قَطر لا تَقف مع مُستعبدٍ أو مُستبدّ أو مُفسد، وقدْ دعّمتْ الدّول الّتي وُلدتْ فيها ثورات الرّبيع العربيّ، حيث وقفتْ ضدّ الانقلاب العسكريّ في مِصر على الرئيس محمّد مرسي، الفائز في أَوّل انتخابات رئاسيّة في تاريخ مِصر كلّه، وقدْ وقفتْ أيضًا ضدّ الانقلاب العسكريّ على الرّئيس التّركيّ طيّب رجب أردوغان الـمُنتخَب من شعبه في استحقاق حرّ نزيه، فيما وقفتْ دول الحصار مع الثّورات المضادّة بتفاوت في مصر وليبيا واليمن وتونس وسوريّة والعراق.
أليستِ الاستماتة في استعادة فلسطين الجريحة من براثن بني صهيون هي بوصلة العرب والمسلمين عبْر حركة حماس تاج الأُمّة والمقاومات الشّريفة؟ أليس استرداد الجزر الإماراتيّة الثّلاث، طنب الكبرى وطنب الصّغرى وأُمّ موسى من إيران هو الأَولى؟ أليس استرداد سبتة ومليليّة المدينتيْن المغربيّتيْن من اسبانيا هو الأَولى؟ أليس التّباحث بحكمة وصدق في قضية الصّحراء بيْن الجزائر والمغرب هو الأَولى؟ أليس إنهاء الاستعباد والاستبداد والإفساد والعنف والإرهاب أفضل منَ الصّراعات الواهية بيْن كلّ قُطر ومِصر؟ أليستِ التّنمية في ظلّ التّخلّف والفوضى والصّراعات الفكريّة والسّياسيّة والطّائفيّة والقبليّة التّي تعيشها المنطقة هي الأَولى؟
في ظلّ استهجان دوليّ وشعبيّ، يتساءل المتابعون: لماذا لا تُحلّ الأزمة الخليجيّة في إطار هيئة حلّ النّزاعات بمجلس التّعاون الخليجيّ أو جامعة الدّول العربيّة أو منظّمة التّعاون الإسلاميّ أو مجلس الأمن الدّوليّ؟
الأُمّة العربيّة والإسلاميّة في غِنًى عنِ الأزمات، لذلك تُرحّب رفقة أحرار العالَم بحوار هادئ بيْن الفرقاء قبْل فوات الأوان، وتقريب وجهات النّظر في القضايا الخلافيّة لا سيما أنّ دولة قَطر والعربيّة السّعوديّة والإمارات العربيّة ومملكة البحريْن ما يَجمعها أكثر ممّا يُفرّقها في إطار خليجيّ صرفٍ في الأمن والاقتصاد، وغيرهما.
بعيدًا عن متراجحة "مُقاطعة أو حصار"، هيّا معًا لمعادلة الـحوار في المجال الحقوقيّ والقانونيّ والإعلاميّ والسّياسيّ، وبعْد ذلك لا مفرّ منَ الصّلح، والصّلح خير. فجسد الأُمّة لا يَتحمّل كلّ هذه الـجِراح، أين العقول السّياسيّة الّتي تفقه الصّراع بيْن الأُمم؟ أليس فيكم رَجل رشيد يُطفئ الكبريت الصّهيونيّ في البيت الخليجيّ؟
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
جـمال بوزيان (الجزائر)
جـمال بوزيان (الجزائر)