في ذكرى هزيمتنا المشتركة

في ذكرى هزيمتنا المشتركة

01 يوليو 2017
+ الخط -
أظهرت لي صفحة ذكريات "فيسبوك" ما كتبته في 29 يونيو/ حزيران 2013: "الآن على الجزيرة مباشر مصر نقل مباشر من اعتصام رابعة، المتحدّث على المنصة يقول: "أي حد بكرة هيعبث بالشرعية هنعلن اللي اتفقنا عليه: ثورة إسلامية"، فتردد الجموع "ثورة إسلامية ثورة إسلامية" ثم "إسلامية إسلامية، رغم أنف العلمانية"، وبعدها أكمل كلامه معلناً أنهم جمعوا 26 مليون استمارة تجرد، وإنه على عهد إنهم سيكملون 33 مليون..".
للحظةٍ، فكرت في إعادة النشر ثم توقفت. وماذا سيضيفه هذا إلى نار آلاف المشاركات لمعايرة كلٍ طرف للآخر بأنه كان الأكثر غباءً سياسياً، أو الأكثر انحطاطاً أخلاقياً.
بعد كل هذه السنوات من المعاناة والفشل المشتركين، ألم يحِن الوقت لنفكّر، ونتكلم بشكل عملي؟ لا أحلام بمصالحات مثالية وبسيطة "احضنوا بعض". لكن، هل يمكن أن نتبادل اللوم الذي ينبني عليه عملٌ لا عبث؟ هل يمكن أن نتحدث، بوصفنا سياسيين، لا أطفالا؟
كنموذج عملي في ما يخص المشهد السالف ذكره لهتافات اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة، يمكن استعادته، لا للسخرية، بل لإثارة التساؤلات الجادّة: كيف كنتم وقتها تطالبون التيار المدني بالمشاركة معكم، بينما يُرفع خطابٌ كهذا؟ ضع نفسك مكان الآخر، لماذا تعتقد أنه كان عليه أن يقف بجوارك، وأنت تهتف ضده مباشرةً، وتهدّده بثورةٍ إسلاميةٍ غامضة؟
والأهم: إذا كنت ما زلت تستخدم الخطاب نفسه، بل أشد حالياً، فكيف تتوقع أن يتغير موقف خصومك؟
الحقيقة أنه كان لا بديل عن أحد حليّن، إلغاء هذا الخطاب والأفكار تماماً على نمط تطوير حزب النهضة التونسي، أو حزب العدالة والتنمية التركي، وهما التجربتان الأنجح لروافد هذا التيار، حيث يصبح الحزب الإسلامي مندمجاً تماماً في واقع دولته الوطنية، مع لمسةٍ محافظة لا أكثر، أو الحل الآخر، وهو إبقاء هذا الخطاب مع توضيح مسؤول وتفصيلي لما يعنيه بالضبط.
بالنسبة للتيارات الأخرى، يعني هذا التهديد حزمة إجراءاتٍ قمعيةٍ ضد الحريات الشخصية والحياه العصرية.
تطبيق الحدود الجسدية، بما فيها من جلد ورجم، سياسات تمييزية ضد المواطنة، مثل فرض الجزية على الأقباط، ومنع "استحداث الكنائس". لا حريات شخصية. وستظهر شرطة الحسبة، لمنع الاختلاط في المقاهي، وضبط ملابس الفتيات. ومستقبلاً يُفرض الحجاب بالقانون مثل إيران. لا حريات فنية، وداعاً لأفلامكم وأغانيكم، لا "بنوك ربوية". ولا سياحة شواطئ (كما كان يقول بصراحة حازم أبو إسماعيل) من دون أي تحديد واقعي للبدائل في سياق الاقتصاد العالمي، ...إلخ.
كان "الإخوان المسلمون" في مصر، قبل الثورة، يتجاوزون أغلب هذه الأسئلة، ويكتفون بالواقع العملي المطمئن الذي كانوا فيه في قلب الحِراك الوطني. بعدها، ظهر هذا الخطاب على نطاق واسع، خصوصا بعد تحالفهم مع فئاتٍ من يمينهم. للمفارقة كان منها حزب النور، وشهدنا كيف أدّى ذلك إلى تفجير لجنة الدستور، بسبب مواد الحريات والهوية، وبعدها تفجير المجال السياسي. كيف نضمن أن هذا لن يتكرّر مستقبلا؟
على الجانب الآخر، من حق الإسلاميين أن ينطلقوا من الماضي، ليسألوا: فزنا في انتخاباتٍ نزيهة، فكيف نضمن أية قيمة للصناديق، إذا كان من الوارد أن تتحالفوا مع الجيش للانقلاب عليها؟ أيّد بعض رموزكم قتل الآلاف وسجنهم، كيف نثق بشعاراتكم؟ عانينا طويلاً من قمع معتقداتنا وهويتنا، كيف نثق بألا تكرّروا ذلك؟ طلبتم تنازلاتٍ كثيرة، مع أننا فزنا بالأغلبية. ما هي الموازنة بين التوافق الوطني والتمثيل العادل؟
كما أن على كل الأطراف أن تسأل نفسها: هل كان مسارنا صحيحاً؟ لماذا توقعنا كذا ولم يحدث؟ ما الذي يمكننا تغييره في خطابنا أو أفعالنا؟ ما هو تأثيرنا الشعبي الفعلي؟ ما هي رؤيتنا للخروج من الأزمة الحالية، ولو على مدى عشر سنوات مقبلة؟
لا أدعو إلى تجاوز الماضي، هذا فضلاً عن استحالته، فهو هروب عبثي، لأن الألغام السابقة نفسها ستنفجر في أول فرصة، لكن هذه دعوة لتحويل الماضي إلى قاعدة لطرح أسئلة المستقبل، لا صخرة تمنع أي مستقبل.