التوظيف السياسي للإعلام في الأزمة الخليجية

التوظيف السياسي للإعلام في الأزمة الخليجية

24 يونيو 2017
+ الخط -
بدأت الأزمة الخليجية المتصاعدة بين قطر وشقيقاتها من دول الخليج العربي (العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين) ومصر، من خلال استخدام الأداة الإعلامية وتوظيفها بشكل مكثف صوب قطر، في الاستغلال المكثف والمتواصل لقضية تصريحات مزعومة لأمير دولة قطر، على الرغم من النفي السريع لهذه التصريحات قطريا، وتأكيد السلطات هناك تعرّض الموقع الرسمي لوكالة الأنباء القطرية (قنا) لقرصنة إلكترونية على موقعها .
ولعل الموقف الذي برز بعد الحملة الإعلامية المكثفة كان، وما زال، جملة من الإجراءات الدبلوماسية (قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية)، حصاراً جوياً وبرياً وبحرياً، طرد المواطنين القطريين من الدول المقاطعة، المطالبة بغلق قناة الجزيرة الفضائية وصحيفة وموقع العربي الجديد وغيرهما من وسائط إعلامية، تحذيرات رسمية وغير رسمية من مزيد من الإجراءات ضد قطر، فيما لو لم تستجب الإدارة القطرية للمطالب التي قدمتها هذه الدول "حفاظا على أمنها القومي".
وعلى الرغم من تحقيق التصعيد السعودي - الإماراتي والمصري الإعلامي مبتغاه في مفاجأة دولة قطر بإجراءات هذا المحور، وفتح أبواب التطورات على مصاريعها، إلا أن التوظيف السياسي للأدوات الإعلامية في هذه الدول أستمر في إثارة الرأي العام الخليجي والعربي ضد قطر، حتى تناسى الجميع معارك الموصل ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، ولم يكترث أحد بانطلاق معركة تحرير الرقة التي طال انتظارها، كما لم يعد يعني أحدا ما يجري في إيران وإسرائيل (أعداء الأمة الأكثر خطورة ومنهجية في إدارة الصراع). نعم، لم يعد في الساحة العربية، وربما الشرق أوسطية الآن، غير موضوع الأزمة الخليجية والحملة ضد قطر، وسعي كل طرفٍ في الأزمة إلى كسب أكبر عدد ممكن من القوى الدولية إلى جانبه.
يمثل التوظيف السياسي للإعلام في الأزمة الخليجية الحالية صورة واضحة لتأثير الأدوات 
الإعلامية في تغيير الرأي العام، أو صناعته، بموجب ما تريده الإدارات السياسية لكل طرفٍ في هذه الأزمة، ولأن ضربة البداية كانت من الأدوات الإعلامية في دولة الإمارات، فإن تكريس صورة قطر (المنفلتة) عن العقال الخليجي في سياستها الخارجية، وفي قضايا التعامل مع خصوم هذه الدول، وقضايا المنظمات الإرهابية وسواها، كانت حاضرة ومعدة سلفا قبل مدة، وكانت ساعة الصفر أو القشة التي "ستقصم ظهر البعير" هي الآذنة بإنطلاقها، فكانت قضية تصريحات أمير قطر المزعومة التي صممت لتكون القشة، وهي طلقة البداية في ماراثون القضاء على قطر (الحالية)، سعيا إلى تنصيب قطر (المطيعة) والسائرة في طريق "الجمع" الخليجي في كل أمورها.
لم تلق الصدمة الإعلامية التي أحدثتها فضائياتٌ وصحفٌ خليجيةٌ وعربيةٌ ذات وزن وإمكانات إعلامية وفنية ومالية كبيرة، ردا متكافئا من وسائل الإعلام وأدواتها القطرية، ربما لأن دولة قطر لم تكن تتوقع ما وراء هذه الحملة الإعلامية، أو لأنها ظنت، بداية الأمر، أنها فعلا ترتبط بتصديق ما روج من تصريحاتٍ للأمير تميم بن حمد آل ثاني. لكن، وعلى الرغم من التكذيب الرسمي، تصاعدت الحملة الإعلامية، ومع ذلك لم تدخل قناة الجزيرة طرفاً في الحرب الإعلامية الواسعة، ما فسّر تأنيا وحكمة من الحكومة القطرية التي سرعان ما أفاقت على جملةٍ من الإجراءات التي وصلت إلى حد تأليب المواطنين القطريين على الحكم، فكان التوظيف السياسي لقناة الجزيرة للرد على سيل الهجمات الإعلامية والسياسية من الأطراف الأخرى، وكسب مزيد من التفهم والتأييد من العرب والعالم، ومن شعوب دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية ألأخرى.
منطقة الشرق الأوسط عموما، والخليج العربي وما جاوره خصوصا، تعاني من توترات أمنية 
وسياسية هائلة، وتبرز الحروب المباشرة أو التي تجري بالإنابة في العراق وسورية واليمن، وهي ما تشكل طوقاً محيطا بدول الخليج العربي، ولعل ذلك من أهم أسباب تعزيز دول، مثل السعودية والإمارات وقطر، قدراتها الإعلامية؛ فهي من جهة تسعى إلى تحصين شعوبها من كل ما يقدم إليها عالميا وإقليميا على مستوى الإعلام بكل أشكاله، إضافة إلى الأساليب الأخرى التي أثرّت كثيرا في أدلجة العقل العربي، وخصوصا لدى الشباب. ومن جهة أخرى، كانت، ويجب أن تبقى، مصدرا مهما لتعبئة الرأي العام وتوعيته صوب الأهداف السياسية التي تنضوي تحتها أية أداةٍ أو وسيلةٍ إعلامية، وكانت سببا لإنشائها.
أفرزت الأزمة الحالية حرب الإعلام بين الأشقاء في المنظومة السياسية والجغرافية والعقائدية، إضافة إلى صراع آخر من نوع جديد، وربما يظهر بهذه القوة لأول مرة، هو العدوانية والعنجهية التي برزت من كتاب ومحللين وإعلاميين، يظهرون في هذه الوسيلة الإعلامية ضد أصدقاء أو زملاء لهم في المهنة، وربما يكونون أبناء بلد واحد أيضا، يظهرون في وسيلة إعلامية في الطرف الآخر. وليس مفهوما لماذا يأخذ المحلل السياسي، على سبيل المثال، موقفا سياسيا ضد الآخر، إذا كان واجبه التحليل السياسي لحدث أو لأحداث ما، وهو بالتأكيد ليس جزءا من صناعتها؟ ثم لماذا يتسابق بعض الإعلاميين الخليجيين والعرب في الهجوم والتهجم على هذا الطرف أو ذاك في هذه الأزمة، وكأن العلاقة بين قطر وأخواتها هي علاقة عداء تاريخي أو تقليدي؟
تملك كل الدول في العالم، بل حتى معظم التنظيمات والمنظمات الكبرى اليوم، أدواتها الإعلامية، وتسعى، بلا شك، إلى توظيفها لنشر رؤاها السياسية أو النضالية وتكريس هذه الرؤى، لكن هذه الأزمة أبرزت مفهوما آخر غير التوظيف السياسي للإعلام؛ ذاك هو التوظيف العدائي للإعلام، وهو أمر بالغ الخطورة؛ لأن القرارات السياسية تعدّل أو تلغى بقرارات سياسية، أما العقد التي تكرّس على مستوى الأفراد أو الشعوب، فإنها لا تمحى بقرار، وستبقى زمناً طويلاً لا يمكن حسابه.
F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن