رمضانهم في الصين

رمضانهم في الصين

23 يونيو 2017

مسلمون في شنغهاي الصينية في عيد الفطر (6/7/2016/Getty)

+ الخط -
ليس المسلمون الصينيون كياناً واحداً. وثمّة دائماً في الأخبار التي تتناقلها الوكالات العالمية ما يفيد بأن المسلمين في الصين يتعرّضون لاضطهادٍ ما، على أساس الدين، خصوصاً في رمضان، إذ يُمنعون من الصيام ومن إقامة صلاة التراويح، وما إلى ذلك. وتحرص الصين على نفي تلك الأخبار، وتدعو صحافيين عرباً ومسلمين سنوياً إلى زيارة المناطق المعنية، ليستكشفوا بأنفسهم أن تلك الإشاعات غير صحيحة، وأن حرية العبادة مكفولةٌ للجميع في الصين الحديثة. فما القصة؟
يتوزع الشعب الصيني الذي يمثل ربع البشرية على 56 قومية، منها عشر مسلمة، أكبرها قومية "الويغور" التي تعيش أغلبيتها في مقاطعة شينجيانغ أقصى شمال غربي البلاد، وقومية "هوي" التي تعيش أغلبيتها في مقاطعة نينشيا شمالا. تقول الأولى إنها تنتمي إلى القبائل التركية، فيما تقول الثانية إنها من أصول عربية، وتمثل سلالة التجار العرب الذين مرّوا من طريق الحرير، واستقروا في تلك المنطقة، بعد أن تزوجوا من صينيات من قومية "هان"، وتكاثروا فيها.
وعلى هذا الأساس، يُشار في الإعلام العالمي إلى أن "الويغور" يريدون الانفصال عن الصين، كونهم لا يعترفون بالانتماء إلى الشعب الصيني، وأنهم يسمّون منطقتهم الجغرافية التي ضمتها الثورة الشيوعية، بقيادة ماو تسي تونغ، إلى البلاد العام 1949، "تركستان الشرقية"، ويريدون تأسيس دولةٍ مستقلةٍ فيها على غرار جمهوريات وسط آسيا التي تنتمي للعرق التركي. أما قومية "هوي" فإنها تتمتع بعلاقاتٍ متينةٍ وممتازة مع قومية "هان" التي تمثل الأغلبية الكبرى من الشعب الصيني، بنسبة تزيد عن 90%، ومع الحكومة المركزية في بكين، حتى أن تشتهر برفع شعار "حب الوطن من الإيمان"، على الرغم من أن كلاً من مقاطعتي شينيجانغ ونينشيا تتمتعان بحكم ذاتي، يعطيهما شيئاً من الخصوصية في العلاقة مع حكومة بكين.
والحال أن الحديث عن تعرّض المسلمين الصينيين للاضطهاد، إنما يختص بقومية "الويغور" دون قومية "هوي" والقوميات المسلمة الأخرى، وهذا يعني أن حرص الصين على إثبات العكس، إنما يختص كذلك بمقاطعة شينجيانغ في المقام الأول، وهي مقاطعةٌ غنيةٌ بالموارد الطبيعية، تشكل مساحتها نحو سدس مساحة الصين الإجمالية، ولا يزيد عدد سكانها عن 25 مليوناً من أصل ألف وخمسمائة مليون يشكلون تعداد الشعب الصيني.
تقول الصين إن الغرب يتبنى أقلية انفصالية في قومية الويغور، تستضيف الولايات المتحدة قادتها، على غرار ما تفعل في قصة التيبت والدلاي لاما. وتختصر الفقرة التالية المنشورة على موقع "ويكيبيديا" ما يقوله الإعلام الغربي عن هذه القضية: (تمارس الحكومة الصينية عمليات تضييق على الحريات وقمع يرقى إلى الاضطهاد ضد السكان المسلمين وحرياتهم الدينية والشخصية في إقليم شينجيانغ. حيث منعت السلطات العديد من الرموز والشعائر الإسلامية بحجة محاربة "الإرهاب" و"التطرّف" مثل منع ارتداء المسلمات الزي الإسلامي كالنقاب والحجاب ومنع الرجال من إطلاق اللحية.. ويصل حد الاضطهاد إلى منع المسلمين من موظفي القطاع العام والطلاب والقاصرين وموظفي الحكومة من صوم شهر رمضان أو الذهاب للمسجد، ومنعت المطاعم من إغلاق أبوابها أثناء فترة الصيام بمنشور رسمي من الحزب الشيوعي الحاكم. كما قامت الحكومة الصينية بمنع المسلمين من تسمية أبنائهم بأسماء إسلامية مثل "محمد" و"إسلام" و"عرفات" و"حج"). انتهى الاقتباس.
كانت مقاطعة شينجيانغ شهدت أحداثاً دامية 2009، سقط نتيجتها عشرات الضحايا من قومية الويغور، إثر قضية مطلبية رفعت شعارات انفصالية. فيما يلتحق شباب منها بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، تمارس كتيبة من قومية الويغور بشكل أساسي مهمات انتحارية. هذا يعني أن ما يجري تداوله ليس بلا أصل، لكنه في الحقيقة لا يمس كل قومية الويغور، بل أقلية متطرّفة منها، تمارس تطرّفها داخل الصين وخارجها، ويجري استهدافها بسبب تلك الممارسات المتطرّفة، لا لأنها تنتمي إلى قومية الويغور، أو لأنها تعتنق الإسلام.
سمعت من أصدقاء زاروا شينجيانغ، في بداية شهر رمضان الحالي، أنهم أدّوا صلاة التراويح في أحد المساجد الكثيرة المنتشرة في المقاطعة، وعاصمتها أورومتشي، وصادفوا رجالاً أسماؤهم محمد وأحمد وغيرها من أسماء المسلمين الشائعة، وأنهم صاموا وأفطروا في تلك المدينة ذات الطابع الإسلامي المترافق مع النهضة العمرانية والإنشائية التي تشهدها كل مدن الصين، ومنها عاصمة الويغور، والأهم أن أغلبية الويغور يشعرون بالسلام تجاه انتمائهم للصين، وهل يصحّ لعاقل أن لا يعجبه الانتماء لأمةٍ عاملة تنطلق إلى نهضتها.

دلالات

1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.