معركة لا مجد فيها

معركة لا مجد فيها

21 يونيو 2017
+ الخط -
تكبر طموحات الجيل الجديد من حكام الخليج، لكن شبه الجزيرة العربية لا تكبر، أحكام الجغرافيا لا تساير الأحلام والأوهام التي تلعب برؤوس جديدة على الحكم في المنطقة، فعلى الرغم من أن العائلات الحاكمة دخلت في منافسةٍ شرسةٍ لإيجاد محاور تجارية عالمية، وخطوط جوية دولية، وإمبراطوريات إعلامية ممتدة، ولوبيات نشطة في العواصم الأوروبية والأميركية، فإنها (العائلات الحاكمة) انتهت إلى توجيه رماحها إلى صدور بعضها وتدمير مكتسبات استراتيجية كانت في حوزتها، فقرار السعودية والإمارات والبحرين ضرب حصار جوي وبحري وبري على قطر، ومحاولة خنقها في حربٍ ديبلوماسية غير مسبوقة في منطقة حساسة جدا، كانت أولى نتائجه المباشرة تدمير مجلس التعاون الخليجي الذي كان يجمع بين بلدانه الستة، وكان يشكل حزاما، ولو رخوا، لحماية الأمن القومي الهش لهذه البلدان، وفضاء للتعاون الاقتصادي بينها. لم تدمر الأزمة الراهنة فقط مكتسباتٍ تجاريةً وماليةً واجتماعيةً في هذه الدول، بل دمرت أيضا تقاليد التعايش وأعراف الضيافة في القبائل التي توارثوها أبا عن جد. وفي مقدمة هذه الأعراف، عدم قطع أواصر الرحم وعدم المساس بلقمة العيش لابن العم، مهما كانت الخلافات السياسية بين أبناء البيت الواحد.
يتصرف زعماء دول الخليج مثل شيوخ قبائل، وربما أسوأ من ذلك، لقد جعلوا من الثأر القديم سياسة جديدة، فالسعودية التي أعطت 460 مليار دولار إلى إدارة دونالد ترامب لحمايتها من خطر إيران، تريد أن تتسلم البضاعة في الدوحة على شكل وصاية الأخ الأكبر على السياسة الخارجية للأخ الأصغر، حيث تريد الرياض أن تمنع الدوحة من ممارسة أعمال السيادة، ومنها فتح قنوات الحوار مع إيران، وحقها في رفض انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، والاحتفاظ بخط تحريرٍ مشاكس لقناة الجزيرة، واستضافة "حماس" فوق أراضيها، مساهمة منها في دعم القضية الفلسطينية.
يطالب الإماراتيون والسعوديون الدوحة بطرد "الإخوان المسلمين" من بلادهم، واعتبار جماعة محمد بديع إرهابية، في حين أن في بريطانيا وحدها عشرات آلاف من "الإخوان"، وقادتهم يتحركون بكل حرية، ولم تطردهم لندن، ولم تضعهم على قائمة الإرهاب، على الرغم من أن الرياض وأبوظبي حاولتا أن تجرّا حكومة ديفيد كاميرون السابقة إلى وضع "الإخوان" على قائمة الإرهاب، لكنهما فشلتا، لأن المؤسسة البريطانية تعرف عن "الإخوان" أكثر مما تعرف كل الدول العربية عنهم، لأن الإنكليز كانوا شاهدين على ميلاد الجماعة في بداية القرن الماضي على يد حسن البنا في مصر. ولهذا كان كل ما قدمه كاميرون من تنازلات سنة 2014 أنه شكل لجنة للتحقيق يرأسها سفير بريطانيا السابق في السعودية. وبعد تحقيق معمق، انتهى إلى خلاصةٍ خيبت آمال محمد بن زايد، حيث لم تستطع الخارجية البريطانية أن تضع الجماعة الإسلامية الأقدم في العالم السني على قائمة الإرهاب، وإن وجهت لها انتقادات حادة بخصوص علاقات بعض أعضائها بالفكر الديني المتشدّد، لكن هذا لا يرقى إلى جريمة الإرهاب. ولأن بريطانيا من الدول التي تحترم نفسها، حتى وإن كانت تجري خلف مصالحها، وفيها قضاء لا يرحم السياسيين، فإنها لم تستجب لمطالب الإمارات والسعودية، وهذا ما اضطر البلدين إلى نقل معركتهما مع "الإخوان" إلى أميركا، ليس لأن هولاء متشددون، فالتشدد الحقيقي موجود في المدرسة الوهابية التي خرجت من عباءتها السلفية الجهادية و"القاعدة" وداعش.. هاجس الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة الأول هو الربيع العربي وثورة الديمقراطية التي تتفتح أزهارها كل يوم مع جيل عربي جديد ترى القوى "الرجعية" في المنطقة وجوب خنقه، وعدم ترك أي فجوة يتنفس منها في دول الجوار. هذا هو مربط الفرس، والباقي تفاصيل وضباب موجود لحجب الرؤية لا أكثر.
العقلاء في الغرب اليوم كلهم قلقون على هذه القطعة الجغرافية الملتهبة، ويرون في الأزمة الخليجية واحدا من أبواب عدم الاستقرار فتح ولن يغلق، إلا وقد ترك آثاره الوخيمة على كل المنطقة، لكنهم لا يلومون حكام الخليج حديثي العهد بالدولة، وحديثي النعمة بالسلطة، بل يلومون (أحمق واشنطن) دونالد ترامب الذي حوّل أكبر قوة في العالم إلى متجر سلاح، عِوَض أن يدفع بلاده إلى أن تكون قوة ديبلوماسية هادئة لحفظ الأمن والاستقرار في العالم.
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.